المؤلف:
ندى

 

تعد فترة الدراسة الجامعية نقلة مهمة في حياة الطالب، فهي وإن كانت تعبر به من مرحلة الثانوية إلى التعليم العالي، فإنّها أيضًا ترقى بنفسه وشخصه فتكمل بناءها ونضجها على نحو سليم ممهدةً بذلك الفرد لولوج سوق الشغل ودنيا المشاغل والمشاكل، لهذا، لا يجرأ أحد منا على نكران أهميتها. في المقابل، تعتبر الدراسة في الجامعة مرحلةً يجب الاستعداد لها والاستمتاع بها على حد سواء، وإنّ أول مخاوف المقبلين عليها هم الأساتذة والمنظومة التعليمية العامة. في جوٍ من المرح، سنستعرض وإياكم نماذج من الشخصيات التي ستصادفها حتمًا داخل جامعتك، وكيفية التعامل مع كل واحدةٍ منها. نشير قبلًا إلى أنّنا نقف احترامًا لكل الأساتذة مهما اختلفت طرق تدريسهم وفلسفتهم الخاصة في التعليم.

الدكتور المتعاون المجتهد المتمكن

من المنصف أن نبدأ تصنيفنا بهذا النوع من الأساتذة، فستصادف حتمًا من هم ذوي خبرة، ولا يبخلون أبدًا بتقديم يد المساعدة والعون لطلبتهم. إن كنت من ذوي الاهتمام بتخصصك وحبك للمادة ستجد نفسك تعجب تدريجيًا بما يقدمه. لهذا، استغل جيدًا هذه الفرصة وحاول أن تخلق علاقة جيدة معه. صحيح أنّ عدد الطلبة كبير في الجامعات لكن، وبالنسبة لهذا النوع من الأساتذة، احرص على أن يلاحظك ويلاحظ اهتمامك وسعيك لتعلم المزيد عبر طرح الأسئلة، والانتباه أو ربما البحث وإحضار تمارين لم تفهمها وتطلب عونه. سأوشوش لك هنا قائلةً أنّه إن لم تكن مهتمًا بالمادة فقط تظاهر بذلك واطلب منه أن يعيد شرحَ نقطة في الدرس أو ما شابه، فهو حتمًا لن يبخل عن فعل ذلك وسيلاحظ ولو تصنعًا اجتهادك المزعوم.

الدكتور المثابر لكن …

هناك نوع من الأساتذة في الجامعات ممن هم ذوي خبرة وتمكن من المادة، لكنهم يفتقرون إلى طريقة التدريس وإيصال المراد إلى الطلبة. يحاولون ويعافرون شرحها بطرق عدة لكنك ستجد نفسك تائهًا غير مستوعب لها. الحل هنا أن تحترم قدرات الأستاذ، فمجرد محاولته وسعيه كفيل بأن تقف له احترامًا ولا تحاول خنقه أو إحراجه بالأسئلة كما يفعل الكثيرون للأسف، فلتكن إذًا عونًا لهذا الأستاذ بدل المحبط، بحيث يمكن أن تبحث وتحضر المادة بنفسك، فمفتاح التعليم العالي يتمثل أساسًا وتحديدًا في “التعلم الذاتي”. إن كنت تعلم طريقة شرح أفضل من تلك التي استعملها الأستاذ فيكفي أن تطلب منه، إن طلب زميل لك منه إعادة شرح، أن تقوم أنت بذلك. هكذا ستكون مساعدًا له، دونما أي إحراج.

الدكتور الذي يعلم كل شيء

على عكس المثال السابق، هناك بعض الأساتذة ممن يدعون فخرًا أنّهم يعلمون كل شيء في التخصص العام، سواءً في مادتهم المدرسة أو المواد الأخرى، فلن تجدهم أبدًا يقرون بعدم تمكنهم من الإجابة على سؤال طالب ما؛ لأنّهم يلجؤون دائمًا لجملة “هذا خارج الدرس” أو “سؤال مهم، احتفظ به إلى آخر الحصة” ليحاولوا طبعًا بعدها تجنبه، أو قد يجيبون إجابات غريبة وغير متماسكة محاولين خلالها أن يستعملوا مصطلحات أو تعابير جديدة ليختموا بذلك جوابهم ب “ستقرؤون هذا مع الأستاذ فلان في المادة كذا أو في السنوات المقبلة”. هؤلاء إياك أن تحتك بهم أو تدخل وإياهم في علاقة صراعٍ ندًا للند، فلازالوا طبعًا في موضع قوة مادمت دراجاتك في يدهم! لا أريد طبعًا أن أخيفك منهم فيمكنك أن تسأل أو تستفسر في محاضراتهم كما تريد، لكن لا تشعر أبدًا أنّك تريد إحراجهم أو تعجيزهم أمام بقية الطلبة.

الدكتور الإداري

لا أدري إن كانت هذه النقطة مشتركة بين جامعات العالم العربي، لكننا نجد حتمًا دكتورًا على الأقل له منصب إدراي في الجامعة كعميد أو رئيس قسم مع استمرار ممارسته لمهنة التدريس. هذا النوع إمّا تجده يتفاخر بالسلطة التي تخولها له الإدارة فيشرع في تعزيز مهامه والحديث عن المستجدات الإدارية، أو أنّه لا يعلم شيئًا عن القرارات المتخدة، أو ربما يلغي التدريس من قاموسه فيتعنت في تقديم محاضراته بدعوى كثرة انشغالاته والتزاماته (طبعًا وقطعًا هناك نوع جدي وعملي لن تجد أي مشكلة في تعامله. لهذا، لن نأخذه هنا بعين الاعتبار). مهما اختلفت طباعه، فحاول أن تتجنبه. قد تجده مفيدًا أحيانًا بحيث يزودك بأخبار الإدارة والهيئة التدريسية. لكن هذا طبعًا في إطار إداري – طالب وليس دكتور محاضر – طالب. طبقًا للعلاقة الأخيرة ينصح بتجنبه.

الدكتور الصارم

هناك أساتذة متفوقين في الصرامة، وإن أرجح بحكم خبرتي المتواضعة، أنهن سيدات بنسبة تفوق 60 بالمئة، ولا أدري لما، فالأستاذات غالبًا ما تجدهن أكثر جدية وصعوبة في الجامعات. سواءً رجال أو نساء، فالدكتور الصارم حاول أن تعامله بحذر، فطبعًا ليس من صالحك الدخول وإياه في علاقة متوترة، فقد يؤدي الأمر إلى هلاكك. بعد شهر تقريبًا من دخولك للجامعة ستفهم طباعه وما يطلبه في محاضراته. ببساطة أنجزها على أكمل وجه. إن هو “اصمتوا ! لا أريد سماع صوت أي أحد منكم” فالتزم الهدوء التام فالأمر لن يتطلب منك إلّا ساعتين أو ثلاث، وإن هو صارم في الأعمال المطلوب إنجازها فلتفعل ذلك ياعزيزي وإلّا ستقع في المتاعب، وهكذا حسب ما ستستنتجه من معرفتك له بعد أول محاضراته.

الدكتور “الكسول”

حتمًا هو ليس أستاذ ‘غير متمكن’ فهو لم يحصل على مكانته هذه من فراغ، وهو أيضًا ليس بالأستاذ المثابر الذي رأيناه سابقًا؛ لأنّه لا يحاول أن يساعد طلابه، بل هو ببساطة أستاذ كسول، لا يريد أن يؤدي رسالته ويقوم بعمليته التعليمية. لن ندخل في أسباب ذلك، فلا أحد منا يجرؤ على نكران وجود أمثال هذا النموذج في الجامعات، وأنت أيضًا عزيزي المقبل على ولوج التعليم العالي، استعد إلى مقابلة أمثاله ممن لن تحصل منه على أي معلومة أو درس. إنّه النموذج الدافع المباشر للتعليم الذاتي الذي ذكرناه سابقًا. فقط أنصحك ألّا تجعل من هذا المثال سببًا أو عذرًا لكره المادة أو عدم الاهتمام بها. اممم، فالغالب هذا النوع من الأساتذة لن يكون صارمًا في درجات طلابه، لكن هذا أيضًا ليس مبررًا لا لفعلته ولا لإهمالك للمادة.

الدكتور العاشق لمادته وتخصصه

هناك نوعٌ من الأساتذة صادفته مؤخرًا وهو الدكتور العاشق لتخصصه بشكل غريب. مثلًا: بين الاقتصاد والمحاسبة صادفت بعض مدرسي الاقتصاد يعتبرون المحاسبين آلات تشتغل دون عقل وتفكير، وأساتذة محاسبة يعتبرون متخصصي الاقتصاد “بائعي كلام فارغ”، بينما التخصصان متكاملان ! لهذا، ربما ستصادف مثل هذه النماذج التي عليك بكل بساطة أن تعاملها حسب ما تريده هي. اعتبر نفسك تاجرًا يبيع سلعته ويعامل زبائنه كلٌ حسب تفكيره (مع احترامي طبعًا لكل الأساتذة من هذا التشبيه الأدبي). مع أستاذ الاقتصاد اعتبر نفسك مثقفًا متابعًا للمستجدات ومهتمًا بالمجال، ومع المحاسب اهتم بالأرقام وتحليل المعطيات الضريبية والمالية وغيره، والأمر سيان بالنسبة لكل التخصصات والمجالات. تذكر أنّك أنت من بحاجة للأستاذ وليس العكس، ومكانتك تلزمك الرفع من قدر الجميع بشكل ديبلوماسي ذكي.

الدكتور “أنا صديق الجميع”

شابًا أو كبيرًا، ستجد نوعًا من الدكاترة ممن يعتبرون نفسهم أصدقاءً للطلبة. ليس تصنعًا حتمًا وإنّما كنوع من المودة والاحترام. أفضل ما يمكن قوله بالنسبة لهذا النوع بشكل مختصر هو أنّه عليك الحفاظ على مسافة كافية من الوقار والاحترام مع أستاذك، خصوصًا بالنسبة للطلبة الجدد. لا تعتقد أبدًا أنّ المساحة المرحة التي قد يوفرها الأستاذ بينك وبينه تخول لك أن تبتسم له أو أن تحدثه في أمور عامة أو أن تمزح معه، راعِ مكانته ومكانتك داخل الحرم الجامعي وخارجه، فكلمة صديق بالنسبة لك وإن كانت تمنحك الحق في ذلك، فإنّها بالنسبة له تعني “إمكانية تلطيف العلاقة التربوية وإضفاء نوعٍ من الود والمحبة عليها” لا أكثر ولا أقل.

الدكتور ” المراهق “

لقد تعمدت الحديث عن هذا النوع من الأساتذة وإن كان في آخر الموضوع. إنّه نوعٌ ألغى كل القواعد والأفكار المحترمة والوقورة التي سعت المنظومة التعليمية على مر الأجيال لترسيخها في صفة المعلم والأستاذ والمحاضر. للأسف، هناك نوع من الأساتذة ممن يزيد توددهم وحديثهم مع الطالبات من ثقتهم بنفسهم أو من افتخارهم بها، أو لأسباب أخرى أرجح أنّها نفسية محضة. مع التطور التكنولوجي وبروز وسائل التواصل الاجتماعي باتت إمكانية تفشي هذا النموذج متاحة. لهذا، أنصحك أيّتها الطالبة (الأمر سيان بالنسبة للطلاب وإن كان قليلًا مقارنة بفئة الطالبات) بأن تخلقي لنفسك احترامًا يفرض نفسه في علاقتك العامة سواءً مع الأساتذة أو الزملاء، إذ لن يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منك إن كانت بنية شخصيتك سليمة.

نصيحة أخيرة أوجهها لك عزيزي القارئ، وهي ألّا تصدق ما يقوله زملاؤك أو الطلاب القدامى عن الأساتذة، فلكل نظرته وفهمه. فقد يقول أحدهم أنّ الأستاذ فلان كسول بينما أنت تجده مجتهد ومتمكن. احرص أن تبني نظرتك الخاصة عن كل دكتور وتعامل كل واحد حسب عقليته وموقفه، ولا تنسَ طبعًا أن تخبرنا عن تجاربك وعن النماذج الأخرى التي صادفتها ولم نذكرها أو ذكرناها في الموضوع

-أراجيك