"الاكتظاظ المدرسي": أزمة ترحل معالجتها عبر السنوات

الاء مظهر 

عمان – لم تكن "لينا"، إحدى طالبات مدارس منطقة طبربور بعمان، تعلم أن يومها الدراسي الأول، سيكون منهكا لها، اذ عادت لمنزلها بصعوبة، بعدما أصابها إعياء وتعب شديدين، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، الذي انعكس على جو غرفتها الصفية "المكتظة والخالية من نظام تكييف وتبريد، ولا تغطي نوافذها الستائر".

تقول لينا (اسم مستعار)، لـ"الغد"، "ما نزال في بداية العام الدراسي، وبرغم ذلك، لم تكن المدرسة مستعدة لاستقبالنا، فلا ستائر للنوافذ، ولا مراوح. ألا يفترض بان يكون هذا العام مريحا لنا. لا أشعر بالراحة في المدرسة، ومحبطة".

وأضافت "زميلاتي مكدسات في غرفة الصف؛ كأننا في علبة سردين، والحركة صعبة داخل الغرفة، إذ لا مساحة كافية بين المقاعد، وبدأنا نفكر كطالبات بجمع تبرعات لشراء ستائر للنوافذ ومراوح".

وعلى الرغم مما اعلن عنه من استعدادات وزارة التربية والتعليم لبدء العام الدراسي، لكن واقع الحال يفصح عن معاناة يعيشها الطلبة في المدارس الحكومية، لاكتظاظ صفوفهم، وفق الناطق الاعلامي للوزارة وليد الجلاد.

وأفاد الجلاد لـ"الغد" أمس أن ذلك "دفع الوزارة لاتخاذ اجراءات عدة لمواجهة الضغط على البنية المدرسية"، مؤكدا استلام الوزارة منتصف الشهر الماضي 16 مدرسة جديدة من أصل 40 بنيت حديثا، و202 اضافة صفية من أصل 588، استحدثت العام الحالي.

ولفت إلى أن الوزارة اجرت الصيانة لـ500 مدرسة، واستحدثت 142 روضة (KG2)، استلمت منها 106 حتى الآن، واستأجرت مبان مدرسية جديدة؛ ليصل عددها الى 736، ويعمل بنظام الفترتين في 206 مدارس، بالاضافة لوجود خطة وزارية لبناء 600 مدرسة في الاعوام الـ10 المقبلة بواقع 60 مدرسة سنويا.

وبين الجلاد أن عدد طلبة المدارس الحكومية يزيد على 1.4 مليون طالب، موزعين على 4000 مدرسة، يدرسهم 134 الف معلم ومعلمة، موضحا ان عدد الطلبة الجدد الذين التحقوا العام الحالي بالصف الاول الاساسي بلغ 200 الف.

وقال إن عدد الطلبة في الشعبة الواحدة في بعض المدارس يتجاوز الـ55 طالبا، خصوصا في مناطق اللجوء السوري، في حين ان هناك مدارس خارج قصبات المدن، يراوح عدد طلبتها بين 7 الى 9.

وأرجع خبراء تربويون اسباب اكتظاظ المدارس الحكومية؛ للزيادة الطبيعية للسكان، والازمة السورية، وتراجع الوضع الاقتصادي، وهجرة طلبة من المدارس الخاصة للحكومية، وتميز اداء المدارس الحكومية، اذ يتوقع ان يشهد هذا العام، نزوحا كبيرا من طلبة المدارس الخاصة الى الحكومية، مقارنة بالأعوام الماضية، بخاصة وان باب الانتقال ما يزال مفتوحا حتى منتصف الشهر الحالي، وفق مصادر مطلعة بالوزارة.

وبالرغم من عدم وجود احصائيات رسمية لاعداد المنتقلين من المدارس لأسباب "فنية"، فان آخر احصائيات تكشف أن عدد المنتقلين من الخاصة الى الحكومية في العام الدراسي 2016/ 2017 وصل الى 10171، في حين بلغ عدد الطلبة المنتقلين من الحكومة الى الخاصة 1120، اما العام 2015/ 2016 فبلغ عددهم من الخاصة الى الحكومية 67513 بينهم 45233 في العاصمة، و12042 من الحكومة الى الخاصة.

وقال الجلاد ان "مشروع النظام المعدل لنظام تأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة والاجنبية الذي أقره مجلس الوزراء مؤخرا، سيعالج مسألة اكتظاظ الغرف الصفية، ويعد من اسباب هجرة طلبة المدارس الخاصة للحكومية".

وفي الوقت الذي تواجه فيه الوزارة هذه الاشكالية سنويا بالرغم من وضوح اسبابها، لكنها ما تزال ترحلها عاما بعد عام، نتيجة لما وصفه خبراء تربويون بـ"ضعف التخطيط الاستشرافي"؛ إذ شهد  العام الدراسي الماضي ظواهر سلبية عدة؛ ما اثر على انطلاقته".

وكان رئيس الوزراء عمر الرزاز، عندما كان وزيرًا للتربية قد أرجع اسباب ذلك وقتها إلى عوامل خارجية وداخلية، انعكست على العملية التعليمية في المديريات والمدارس، وجسدت العوامل الخارجية، ظاهرة الهجرة العكسية الكبيرة من مدارس القطاع الخاص الى الحكومية.

وقال ان "هذه الهجرة غير طبيعية، وغير متوقعة بخاصة في عمان والزرقاء وقصبة اربد"، مبينا انها اصبحت مربكة للوزارة، وتتطلب اتخاذ إجراءات فورية، ما اضطر الوزارة للمفاضلة بين بديلين كلاهما صعب: زيادة اعداد الطلبة في الغرف الصفية، بما يتجاوز الحدود المقبولة، لتصل في بعض المدارس إلى 65 طالبا، او قبول طلبة في مدارس أخرى، قد تبعد قليلا عن مكان سكناهم.

وبهذا الصدد، قال مدير ادارة التخطيط التربوي في الوزارة سابقا الدكتور محمد ابو غزلة؛ "ان الوزارة تعرضت عبر الأعوام الأخيرة، لهزات تربوية تتكرر وتُرحّل سنويا، وهي ناتجة عن ضعف القائمين على إدارة شؤون الوزارة، بخاصة في مجال التخطيط".

واضاف "ان وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة؛ مطالب الآن باجراءات المحاسبة؛ بعد الذي شهده الميدان التربوي من تقصير، جراء غياب التخطيط السليم المبني على المعلومات العلمية الاستشرافية المعتمدة على متغيرات عدة، كالنمو السكاني والظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ متمثلة باللجوء السوري، وعودة آلاف الطلبة مع ذويهم من دول عربية وأجنبية كانوا يعملون بها".

كذلك؛ هجرة الطلبة من المدارس الخاصة، وعدم دراسة رغبة الأهالي والطلبة بالتنقل بين المدارس لأسباب متعددة، ناهيك عن احتمالية نزوح أعداد هائلة من طلبة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في ظل وضعها الصعب حاليا، بالإضافة لأسباب أخرى، تؤدي لبروز هذه المشكلات، كواقع أعمال الصيانة المدرسية المتعثر.

واكد ابو غزلة أن هذه المشكلة لن تحل إلا بوجود تخطيط استراتيجي شمولي، يعتمد على تنبؤات استشرافية، وضبط وتنظيم القطاع الخاص، وتحمله المسؤولية تجاه الطلبة، ومراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية، والابتعاد عن التلويح برفع الرسوم والمحافظة على الطلبة.

وشدد على اهمية وضع الخطط المستقبلية للتعامل مع أي أزمات متوقعة، كأزمة وكالة "الأونروا"، بخاصة وأن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستقبلية، ستبقى مهددة للنظام التعليمي.

ولفت الى "أن المشكلة ليست في قلة المخصصات المالية، بل نتيجة بيروقراطية وتسلط إداريين، وغياب الوعي التربوي لدى المسؤولين عن التعليم حاليا"، بخاصة وأن موازنة التربية لهذا العام وصلت لنحو 750 مليون دينار.

رئيس قسم علم النفس التربوي والارشاد النفسي بالجامعة الهاشمية الدكتور جلال ضمرة، أكد ان دراسات عالمية تشير لوجود علاقة ايجابية بين قلة عدد الطلبة في الغرفة الصفية وتحصيلهم الاكاديمي، موضحا أن الاكتظاظ، يرفع من نسبة العنف والتنمر والمشكلات النفسية والاضطربات السلوكية بين الطلبة.

وتساءل ضمرة: ما هي المدة الزمنية التي ينالها الطالب من في  كل حصة؛ إذا كان عدد الطلبة في الصف 50؟ وكيف للمعلم أن يمنح طلبته الاهتمام والرعاية المطلوبين في حالة كهذه؟ 

وقال ان "الوزارة تفرض على المدارس الخاصة، ألا يتجاوز الصف عددا معينا من الطلبة، لكنها تتجاوز ذلك وتضع في كل صف بمدارسها 50 طالبا واحيانا أكثر، وهذه مفارقة واضحة وتناقض كبير، هدفه رفع ارباح تلك المدارس".

واضاف ضمرة ان مشكلة الاكتظاظ ليست جديدة، وهناك مشاكل اخرى يعاني منها التعليم العام، بينها الاكتظاظ، وهذا يتطلب وجود ميزانيات لفتح مدارس جديدة، بالاضافة لوضع الوزارة خططا استشرافية، تحتسب النمو السكاني لتبني عليه عملها لاحقا.

ولفت الى هناك مساحات معيارية عالمية للطلبة، يجب التزام الوزارة بها، اذ تنص شروط وتعليمات الصحة المدرسية على أن يبتعد اول مقعد عن السبورة، مسافة لا تقل عن مترين، وتخصيص متر لكل طالب في الصف.