نيفين عبد الهادي  -  ترتبط الحلقة التربوية أولها بآخرها، والوصول إلى نتائج إيجابية يتطلب التدرّج في تنشئة الطلبة منذ سن مبكرة وقبل دخولهم المدرسة وصولا إلى مرحلة التعليم العالي، في الجامعات، وهذا يتطلب الكثير من الخطوات العلمية والعملية بدءا من سن العامين للطفل ورعايته صحيا وعلميا وثقافيا لنصل إلى حالة الحسم بأن الطالب سار في طريق صائب تربويا. ورغم تأكيد خبراء على أهمية السير في المسيرة التربوية والتعليمية خطوة بخطوة دون إغفال أي مرحلة من عمر الطالب، إلاّ أن هناك ثغرة إن لم تكن فجوة بين واقع الطالب ما قبل المدرسة، وخلال الثلاثة صفوف الأولى له بالمدرسة، وبين مرحلة دخوله عالما مختلفا من التعليم والدراسة عند وصوله للصف الرابع الذي يفاجأ به بعالم مختلف لم يتم تأهيله له بأي صورة، تحديدا ممن لم يدخل مراحل الروضة ورياض الأطفال، لتستمر بعد ذلك خطواته «عرجاء» غير سوية في مسيرة تعليمه تقود نحو منتج سلبي تتحمله مقاعد الجامعات ومن ثم مخرجاتها من خريجين غير مؤهلين ومنهم من لا يجيد أدنى متطلبات تخصصه. وهنا، تستوقفنا فكرة الإهتمام بالأطفال قبل دخولهم المدرسة، وهل هناك متابعة لهذا الجانب سواء كان من الأسرة أم من الجهات الرسمية ذات العلاقة وتحديدا وزارة التربية والتعليم، وفيما إذا كانت تولي موضوع التعليم قبل الصف الأول ما يلزمه من إهتمام ومتابعة، أم أن الأمور تسير بخط مائل من طرفي المعادلة في الأسرة والجانب الرسمي؟!!! الدخول بتفاصيل هذا الواقع نجد أن الخط المائل يغلب على تفاصيل هذا الواقع، نظرا لعدم اهتمام وزارة التربية بموضوع الطفولة المبكرة بالحد الذي يمكن القول من خلاله أن الأمر متوفر لكافة الأطفال في المدراس، إضافة لعدم إهتمام المؤسسات الرسمية والخاصة حتى اللحظة بتوفير الحضانات وفي حال توفرها لا تكون مؤهلة بشكل يخدم الأطفال ويخلق لديهم حالة معرفة تناسب قدراتهم وتؤهلهم لما بعد مرحلة الطفولة المبكرة. ولعل الأهل يتحملون جزءا كبيرا إن لم يكن الأكبر في أهمية هذه المرحلة، حيث يرى كثير منهم أن مرحلة ما قبل المدرسة ليست هامة في حياة الطفل، ولغة الأرقام تكشف واقعا خطيرا في هذا الشأن، حيث كشفت دراسة محلية حديثة أن معدلات الإلتحاق في الأردن بالروضة (2) والروضة (1) ودور الحضانة تتراوح ما بين 16% و18% و 2.7% على التوالي، فيما تكشف أن معدل الإلتحاق في المرحلتين الأولى والثانية لرياض الأطفال في الأردن تصل إلى (38%) في عام 2015 ، وهي نسبة متدنية مقارنةً بمتوسط البلدان ذات الدخل المتوسط. والدقيق في هذا الجانب ويستدعي عمليا من صانع القرار التعليمي بشقيه المدرسي والعالي التنبه له، أن الأطفال في الفئة العمرية دون سن الخامسة يشكلون النسبة  الأكبر في الأردن، وعلى الرغم من البحوث الدولية التي تُظهر أنَّ الاستثمار في هذه المرحلة العمرية يُدرّ عائداتٍ أعلى بكثير من الفئات العمرية الأخرى، إلّا أنَّ الغالبية العظمى من هؤلاء الأطفال لا يتلقون خدمات خاصة بالطفولة المبكرة. ولعل هذه الأرقام والنسب تفسّر الكثير من إخفاقات في المنتج التربوي، والذي بتنا نسمع من خلاله بمدارس لم ينجح بها أحد في امتحان الثانوية العامة، فالحديث عن جيل غير مؤهل وغير مبني بناء علميا دقيقا وخطوة بخطوة سيقود إلى حالة الفشل في جزء كبير منه. خبراء ومختصون أكدوا لـ»الدستور» أن مرحلة الطفولة المبكرة تعتبر من المراحل المهمة في حياة الإنسان لأثرها البالغ في إعداد شخصية الأطفال وتكوينها وتهيئتهم للمستقبل ففيها تتشكل اتجاهاتهم واعتقاداتهم وعاداتهم وتنمو فيها ميولهم ومهاراتهم المعرفيّة والعاطفيّة والاجتماعية والجسدية وفقاً لما تقدمه البيئة المحيطة بهم من أنماط التنشئة الاجتماعية والأساليب التربوية المختلفة، وما تمنحه صفاتهم الوراثية من قدرات واستعدادات تميز شخصيتهم عن الآخرين. لذلك أكدوا أنه أصبح الاهتمام بالأطفال منذ الصغر وتنشئتهم وتعليمهم هدفا تسعى إليه الأمم والحضارات، فتوجهت إلى الاهتمام بمرحلة الطفولة المبكرة لأنها مرحلة أساسية وحساسة في حياة الأطفال.     في هذا الشأن، كشف استبيان مؤسسة الملكة رانيا هذا العام عن واقع الاهتمام بالطفولة المبكرة أن 40% من الأمهات الأردنيات لا يقرأن لأبنائهن على الرغم من أن البحوِث تظهر أن الأطفال الذين تتم القراءة لهم هم في الغالب أكثر قدرة على التعرف على 10 حروف من حروف اللغة العربية مع بلوغهم سن الخامسة، كما أظهرت أن 65% من البيوت لا تحتوي على كتب تناسب أعمار الأطفال في العائلة. ونعود هنا لدائرة الأرقام الخطيرة إذ تؤكد أن الأطفال لا يجدون بيئات منزلية تحفزهم وتساعدهم على تطوير مهاراتهم وتدعم التطور المعرفي والنفسي والصحي والعقلي لديهم، حيث بينت دراسة أن (55%) من الأمهات يعتقدن أنَّ رعاية الوالدين في المنزل محدودة التأثير على نتائج التعلُّم للطفل، بمعنى أنهن أسقطن هذه المرحلة من مسيرة أبنائهن التعليمية وحتى التربوية. واللافت في مسيرة تنشئة الأطفال التعليمية أنه على الرغم من غياب القناعة عند الكثير من الأسر بأهمية الإهتمام بأطفالهم قبل المدرسة، نجد أنَّ مشاركة الآباء في المدارس غائبة إلى حدٍ كبير عند الكثيرين، حيث كشفت دراسة استقصائية معنية بالمدارس التي قام بها البرنامج الدولي لتقييم الطلبة عام 2012 أن  76% من الطلاب ملتحقون في مدارس تعتبر فيها مشاركة أولياء الأمور قليلة جدأ، في حين فقط 24% من الطلاب يلتحقون بمدارس يوجد بها مشاركة من الآباء لتحقيق التحسين في المدرسة. حالة تربوية تعليمية تستدعي الكثير من الوقفات ووضع منهجية مؤسسية للتعامل معها بشكل نضمن من خلاله الإهتمام بالطفولة المبكرة، ليس فقط بالاطار العام إنما بالدخول في التفاصيل العلمية لهذا الجانب، تجسّر مراحل تنشئته العلمية والتعليمية، ودون ذلك ستبقى الفجوة موجودة والمنتج التعليمي يزداد تراجعا وسوءا ذلك أن بناءه يحتاج خطوات تبنى واحدة تلو الأخرى دون إغفال لأي منها - الدستور .

اوائل - توجيهي .