تعتبر المملكة دولة عصرية سبقت العديد من دول العالم العربي في تقديم الحلول المبتكرة في أتمتة التعليم، وتحويل المدارس الحكومية الى التعليم الالكتروني، مما سيجعل فرص التعليم والتطور الأكاديمي والمهني غير مقتصرة على حدود دولية، حيث أصبح التواصل والتفاعل والتعلم المشترك من خلال التكنولوجيا، واقعاً يتجاوز الحدود السياسية ومن المفترض أن يكون في متناول الجميع من خلال التقنيات الحديثة.

وفي هذا الاطار تبنت شركة المجموعة المتكاملة للتكنولوجيا (ITG) منذ العام 1999 تطوير منظومة تعليمية تشكل ركيزة لأتمتة التعلم الاكاديمي، ليتجاوز الطالب والمعلم والمدرسة الى أولياء الأمور والاداريين ومديريات وزارة التربية والتعليم والجامعات وغيرها.

في العام 2002  بدأ الاردن بالعمل على تطوير التعليم نحو مجتمع معتمد على المعرفة، حيث قامت شركة المجموعة المتكاملة للتكنولوجيا (شركة أردنية متخصصة تعمل في مجال التعليم من خلال التكنولوجيا) وبناء على توصيات استشاريين عالميين (تعاقدت وزارة التربية في حينه معهم لتقييم منظومة الشركة) بالعمل مع وزارة التربية والتعليم لتطبيق منظومة (EduWave) التعليمية لدى الوزارة، تلك المنظومة المطورة والمملوكة بالكامل للشركة الأردنية، وقد تم تنفيذ المشروع خلال العام 2003، وبدعم مالي كامل من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية.

ويعد تطبيق منظومة (EduWave) في وزارة التربية والتعليم آنذاك، والذي يعتبر الاول من نوعه عالمياً (منظومة شاملة وموحدة تخدم جميع المدارس الحكومية في الدولة)، ولتأكيد مكانة الاردن المتميزة في قطاعي التعليم وتكنولوجيا المعلومات، وهو ما جعل انظار العالم تتجه إلى الأردن في العقد الماضي كقيادي في مجال تكنولوجيا التعليم، وبناء على ذلك تم اطلاق العديد من المبادرات العالمية، لعل من أهمها مبادرة التعليم الاردنية التي اطلقت في المنتدى الاقتصادي العالمي/دافوس الذي عقد في البحر الميت 2003 .

وفي هذا السياق أبرمت الشركة مع الوزارة عدة عقود صيانة على مدى ثلاث سنوات، ونجحت التجربة بشكل ايجابي جداً، أما الآن فقد أصبحت الشركة تواجه عقبات وتحديات كبيرة مع وزارة التربية والتعليم، حيث قامت الشركة منذ العام 2004 حتى العام 2013 بصيانة المنظومة من خلال ثلاثة عقود صيانة فقط (مما يعني ان الشركة قد قدمت خدمات الصيانة وبشكل مجاني لمدة ست سنوات).

ومنذ العام 2013 وحتى الآن تواجه الشركة تحديات ومصاعب مع وزارة التربية والتعليم تتلخص بإصرار الأخيرة التخلي عن هذه المنظومة الوطنية المطورة من قبل شركة محلية وصلت الى العالمية، وتعمل في عدد من دول العالم مثل البحرين والسعودية، ولها أنظمة تعليمية مطبقة في افريقيا، ويستخدمها الآن حوالي 15 مليون مستخدم حول العالم في اكثر من 50 الف مؤسسة تعليمية.

«الدستور» من جانبها قامت بالبحث والتدقيق عن أسباب التحديات التي تتعرض لها الشركة، التي يصل حجمها الى 300 مليون دولار، وبخاصة انها، أي الشركة، أصبحت  تفكر جدياً في تحويل مقرها في الأردن من مركز رئيس إلى مركز فرعي.

ولم يتسنَّ لـ «الدستور» الحصول على اجابات حول مجموعة من الاسئلة والاستفسارات المتعلقة بالموضوع بشكل واضح من «التربية والتعليم»، إلا ان الوزارة أكدت على قرارها اعتماد برنامج جديد، حتى ولو كانت منظومة (EduWave) قد قُدمت مجاناً للحكومة ممثلة بـ»التربية والتعليم»

يشار الى ان الشركة تقدم الصيانة للمنظومة بتكلفة لا تزيد عن 400 الف دينار سنوياً  لخدمة أكثر من 3 آلاف مدرسة وأكثر من 1.5 مليون طالب، بينما البرنامج الجديد الذي اعتمدته الوزارة مؤخراً قد كلف خزينة الدولة ما يزيد عن 4.6 مليون يورو، كما ان منظومة (EduWave) الأردنية تناهز بدقتها وبحسب دراسات عالمية شبيهاتها حول العالم، فقد أصبحت المنظومة التعليمية الأولى في الأردن والشرق الأوسط وثالث اكبر منصة تعليمية على مستوى العالم.

ولدى التقصي عن موازنة وزارة التربية والتعليم تبين أنها لا تتوفر بها مخصصات لهذا البند، وبمراجعة المشاريع الرأسمالية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، والتي توفر الدعم من خلال المانحين والمقرضين، تم التأكد من رصد مخصصات لهذا المشروع تحت مسميات مختلفة.

وخلال الفترة 2013 -2016 ما فتئت شركة المجموعة المتكاملة للتكنولوجيا تقوم بمحاولات متعددة للوصول الى نقاط التقاء لعودة الوزارة عن قرارها بالتخلي عن منظومة (EduWave)، التي تعد برنامجاً اردنياً تم تطويره بعقول وكفاءات اردنية، واستفاد منه الطلبة في دول مختلفة حول العالم، حيث حصلت «الدستور» على نسخ من مراسلات الشركة مع وزارة التربية والتعليم ورئاسة الوزراء، والتي لخصت أبرز التحديات التي تواجهها الشركة، ومنها، أن الشركة ترى بأن وزارة التربية والتعليم تتعامل بعدم اكتراث واهمال تام لمحاولات الشركة للنقاش معها، ووضعت وزارة التربية والتعليم المنظومة والشركة ومنتجها  (EduWave) في موضع المحاربين باستمرار من قبل الوزارة والقائمين على الادارات والاقسام المختلفة فيها، وبدلاً من دعم المنتج الأردني الذي يشهد له العالم بالتميزـ وتقوم دول عديدة بتطبيقه بنجاح تام وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي تطبق نفس المنظومة وتستفيد منها 37 الف مدرسة و10 ملايين مستخدم، أصبح الحديث المتداول والشغل الشاغل للوزارة اليوم، وللأسف، هو كيفية التخلص من المنظومة والعمل على استبدالها وشراء وتطبيق أنظمة جديدة أجنبية لتُجرب في الوزارة لتصبح منافسة للمنظومة الوطنية في المنطقة والعالم باستخدام مرجعية أردنية.

ومن الامثلة على الاهمال المتعمد وعدم استغلال ما هو بين يدي الوزارة (بحسب مخاطبات الشركة للحكومة)، أنه لم يتم تحديث الموارد التعليمية من قبل فريق الوزارة منذ العام 2004، علماً بأن الشركة قامت بتنبيه الوزارة باستمرار إلى ذلك، ولكن قوبلت الشركة بالرفض من قبل الوزارة، كما أن الأدوات المتواجدة أصلاً من ضمن المنظومة (مثل أدوات الاتصال والتواصل وادوات النشر والكتب الرقمية والاختبارات وغيرها) مازال يتم اهمالها واستبدالها بأنظمة غير فعالة، ولا تؤدي نفس المهام والوظائف، بالاضافة الى قرار الوزارة مؤخراً، ولأسباب غير دقيقة وغير منطقية، بالقيام بتطبيق نظام آخر بشكل يرتب تكاليف اضافية كبيرة غير مبررة، علماً بان نظام الادارة التربوية تم تمويله بالكامل من قبل شركة مايكروسوفت في العام 2003، وطبق بنجاح تام في الوزارة وتمت الاستفادة منه على مدى عدة سنوات.

ومن ضمن محاولات الشركة لإعادة العمل بمنظومة  (EduWave)، أنها طالبت الوزارة بتشكيل لجنة مختصة لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء قرارها بالاستغناء عن المنظومة واستبدالها باخرى، وبالفعل تم تشكيل لجنة وجرت مناقشات استمرت تسعة أشهر لمعرفة متطلبات الوزارة الخاصة التي يجب ان تراعيها الشركة في تطوير منظومة التعلم الالكتروني، ليأتي تقرير اللجنة صادماً (حصلت «الدستور» على نسخة منه»)، حيث قدمت لجنة وزارة التربية والتعليم تقريراً منسوخاً ومنقولاً من تقارير ووثائق خاصة بأنظمة تعليم أخرى أهمها النظام التعليمي الأمريكي المرتكزة على أنظمة الجامعات، وللأسف تم اعتماد هذه الوثائق بدون تعديلات تتوافق والاحتياجات والمتطلبات العملية التعليمية في المملكة.

اضافة الى أن المتطلبات في تقرير لجنة الوزارة، هي متطلبات عامة لأنظمة التعلم الالكتروني(LMS)  وهي لا تغطي بأي حال من الأحوال المتطلبات الخاصة بوزارة التربية والتعليم الاردنية، ولا تتوافق مع المتطلبات الخاصة التي كانت تطلبها الوزارة من الشركة على أنها متطلبات أساسية وضرورية للوزارة ولنظام التعليم في المملكة، حتى يتم شمولها ضمن أعمال صيانة وتطوير المنظومة.

كما ان المتطلبات المدرجة في التقرير، لا تغطي أنظمة إدارة معلومات الطلبة إلا من خلال أجزاء بسيطة جداً ومحدودة مثل وظائف القبول والتسجيل، والتي هي عبارة عن مواصفات اقرب لخصوصية قطاع التعليم العالي من حيث الاجراءات والانظمة وليست مخصصة للتعليم الاساسي.

ومنذ بداية تطبيق المنظومة في العام 2003 قامت الشركة بتقديم الدعم المستمر للوزارة لسنوات، وبدون مقابل، بما في ذلك خلال الفترات المتكررة التي كانت تتأخر فيها الوزارة أو تمتنع عن توقيع عقود الصيانة السنوية المتفق عليها، وذلك بحجة عدم وجود تمويل لبند الصيانة، أو عدم تزويد الوزارة بمصدر البرنامج (Source Code)، والذي يعتبر ملكية فكرية خاصة بالشركة، كل ذلك تم في الوقت الذي كانت الشركة تسهم فيه بشكل مباشر وغير مباشر، بدعم الوزارة بمبلغ فاق سبعة ملايين دينار، وذلك من خلال تطبيقات نظام (EMIS) وخدمات الدعم الفني المجاني لعدة سنوات (2004-2008) وخدمات أخرى.

وبحسب الشركة فان الوضع القائم قد أدى لاضعاف الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، تلك الشراكة التي كانت مضرباً للمثل، حيث تم عرض تجربة التعاون بين الوزارة والشركة كتجربة متميزة في جميع المحافل الدولية ذات العلاقة، الامر الذي أسهم بتقوية وتعزيز مكانة الشركات الاردنية امام المنافسين من الدول الاخرى، وكذلك تعزيز القدرة على التصدير ورفدت الاقتصاد الاردني بالعملات الصعبة في ظل الظروف والتحديات الاقتصادية الحالية.

لقد قامت الشركة بمحاولات متكررة في سبيل حل هذه العقبات مع وزارة التربية والتعليم، حيث كان آخرها منذ شهر حزيران 2015 من خلال وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وذلك بهدف الوصول إلى حل نهائي مع وزارة التربية والتعليم، وتم عقد العديد من الاجتماعات والتي على أساسها قامت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالتوصية الى وزارة التربية والتعليم بضرورة العمل على اعادة تفعيل منظومة (EduWave) في الوزارة، ولكن حتى الآن ما زالت وزارة التربية والتعليم عند قرارها بعدم تفعيل المنظومة، والبحث في شراء أنظمة اخرى ستكلف ملايين الدنانير لأسباب غير مدعمة بالحقائق ولا تعززها الوقائع.وهنا من حق المراقب ان يطرح عدة تساؤلات تحتاج الى اجابات، الا يعتبر ما أقدمت عليه وزارة التربية والتعليم هدراً تاماً لما تم استثماره بهذا المنتج الوطني الذي تم تطويره وبناؤه بالكامل بعقول أردنية وشهد بنجاحه حكومات ومؤسسات تعليمية حول العالم؟ ألا يحتاج النظام الجديد الذي تنوي الوزارة شراؤه إلى فترة تجريبية لإثبات كفاءته ومعرفة قدراته في مقابل نظام محلي أثبت كفاءة ونجاحاً عربياً وعالمياً؟ أما كان الأجدى بالوزارة توضيح موقفها بالنسبة لمنظومة (EduWave)  وتفنيد قرارها بالاستغناء عن المنظومة؟

لقد جلبت منظومة EduWave ايرادات كبيرة من خلال مكتبها الرئيس في الاردن، وتشغل ما يزيد عن 230 من الكفاءات الأردنية الشابة، ومن المخطط ان يرتفع عددهم الى نحو 500 موظف خلال الثلاث سنوات المقبلة من خلال فروع الشركة العاملة في أمريكا والسعودية وافريقيا ومصر.

ونتيجة التحدي الكبير الذي تواجهه الشركة الأردنية نتيجة تعنت وزارة التربية والتعليم، كيف لها أن تتميز بما قدمته وما زالت تقدمه من ابتكارات ريادية في مجال تكنولوجيا التعليم في الاردن، في الوقت الذي تحارب فيه ولاسباب غير مفهومة من قبل الوزارة؟ اضافة الى ما تعمل الشركة عليه من مبادرات هامة في مجال تكنولوجيا التعليم، حيث من المتوقع ان تصبح على المحك في هذه المرحلة.

إن آخر مبادرة ريادية تعمل عليها الشركة حالياً وتأمل في اطلاقها من داخل المملكة، في حال تغيرت الظروف التي تواجهها، هي مبادرة تعليم اللاجئين حول العالم، التي من المتوقع أن يصل حجمها الى 250 مليون دولار أمريكي وستخصص في مراحلها الاولى لتعليم اللاجئين السوريين في الاردن ولبنان وتركيا، وقد تمت هذه المبادرة بالتعاون مع العديد من الشركات والمؤسسات العالمية التي تبنت فكرة شركة المجموعة المتكاملة في خلق هذه المبادرة واطلاقها.

ان اطلاق هذه المبادرة من المملكة مرتبط ومرهون بتجاوز التحديات القائمة ما بين الشركة ووزارة التربية والتعليم، وبخاصة أن المشاركين في المبادرة (شركات ومؤسسات عالمية) لديهم الرغبة في الاستفسار عما تواجهه الشركة من عقبات وصعوبات داخل المملكة، ومعرفة ماهية المشكلة مع وزارة التربية والتعليم، ولماذا تقوم الوزارة بما تقوم به لمحاربة شركة محلية لديها كل هذه الانجازات، وهذا قد يؤدي إلى نقل المبادرة لتنطلق من دول أخرى مستضيفة للاجئين وما سيترتب عن ذلك من نتائج سلبية ليست بخافية عن أحد.

ويجدر الإشارة هنا الى ان الشركة لديها مبادرات تعليمية عديدة، مثل  مبادرة EMIS Africa الخاصة بالتعليم في افريقيا، ومبادرة اخرى خاصة بالتوسع بالمشاريع التعليمية في المملكة العربية السعودية، وكل هذه المبادرات ستؤدي إلى تشغيل شركات أردنية في مجال تكنولوجيا التعليم، وستثمر عن دخل بمئات الملايين من العملة الصعبة للأردن من دول ومانحين من خارج المملكة.

 ونحن هنا من منصة «الدستور» ندعو وزارة التربية والتعليم إعادة النظر في قرارها بالاستغناء عن هذه المنظومة التي تلقى نجاحا ملموسا وانتشارا واسعا ونموا مطردا في أعداد المستخدمين خارج المملكة، بل وندعوها للاستفادة منها إلى الحد الاقصى، لما لذلك من آثار إيجابية على سمعة الأردن، وبخاصة فيما يتعلق بالمحافظة على المستثمرين، فما بالك بالاردنيين منهم، وتعزيز ودعم قطاعي التعليم وتكنولوجيا المعلومات المحليين.

أوائل - توجيهي أردني