د. وليد المعاني* - لطالما كنت من القائلين بعدم دستورية البرنامج الموازي، وبأنه سيخلق لنا من المشاكل أكثر مما يحل. قلت ذلك عندما عملت نائبا للرئيس مع رئيس الجامعة الأردنية العام 1997، أ. د.فوزي غرايبة، موافقا إياه على رأيه. وقلتها وأنا وزير للتعليم العالي في حكومة سمير الرفاعي في حديث منشور في صحيفة "الدستور" (18 /4 /2010). وما أزال مقتنعا بهذا الأمر لغاية اليوم. أُوحيَ (بضم الهمزة) للجامعات في العام 1996 بأن التمويل الحكومي لها سيقل، وأن عليها أن تبحث عن حلول تمويلية. التقط الدعوة رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا، الأخ والصديق الدكتور سعد حجازي، وكتب لمجلس التعليم العالي باستحداث برنامج "مسائي" له صفات ما نسميه بـ"الموازي" اليوم. وكنت حاضرا (بالإنابة عن رئيس الجامعة الأردنية) مجلس التعليم العالي الذي بُحث فيه الأمر. وأتذكر يومها أنني سألت عن المسمى، وقلت: "هل سيتم التدريس في المساء؟"، فكانت الإجابة بالنفي. قلت إن جامعة عين شمس في مصر تعطي برنامج إدارة أعمال باللغة الإنجليزية وتسميه برنامجا موازيا، فلماذا لا نسمي البرنامج المقترح بهذا الاسم، ما دام سيدرس في نفس الوقت وبنفس الأساتذة وفي نفس القاعات؟ وتم تبني هذا الاسم. أنشأت جامعة العلوم والتكنولوجيا برنامجا موازيا في الطب وطب الأسنان العام 1997 /1998. وعندما تقدم الأستاذ محمود أبو خلف في الجامعة الأردنية بمقترح لإنشاء برنامج مواز، رفض الدكتور فوزي غرايبة، لاعتقاده بعدم دستورية البرنامج، لأنه يميز بين الأردنيين بحسب القدرة المالية، وشاركت في كل النقاش والحديث. في تلك الجلسة، تم التوافق على أنه ما دام الهدف هو برنامج يهدف إلى رفد الجامعة بالمال المتناقص، ولكون "الموازي" تشوبه صفة عدم الدستورية، فلماذا لا نطرح برنامجنا لغير الأردنيين نسميه "البرنامج الدولي"؟ أصدر الدكتور غرايبة للمجلس المعني توجيهاته بافتتاح برنامج دولي في الطب وطب الأسنان العام 1998 /1999. وعندما تسلمت رئاسة الجامعة الأردنية في نهاية العام 1998، توسعت بالبرنامج الدولي ليشمل تخصصات أخرى. وفي العامين التاليين افتتحنا في الجامعة الأردنية البرنامج الاستكمالي والبرنامج المسائي، والتحق بهما طلبة كثر.  في آب (أغسطس) 2000، سافرت مع وفد كبير للخليج (عُمان وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة) وسوقنا البرامج مباشرة، كما تسوق الجامعات الأجنبية. بقي الأمر هكذا إلى العام 2005، عندما تم إلغاء البرامج الدولية والمسائية والاستكمالية في الجامعة الأردنية، والاستعاضة عنها ببرنامج واحد سمي "البرنامج الموازي". وفي وقت لاحق، وبعد سنوات، أعادت الجامعة الأردنية البرنامج الدولي برسوم أعلى من الموازي. سارت الجامعات كلها بعدئذ خلف الجامعتين؛ "التكنولوجيا" و"الأردنية"، بافتتاح برامج موازية، إلى أن وصل الأمر للوضع الحالي، حيث يشكل طلبة البرامج الموازية والدولية للأردنيين وغيرهم 25 % من مجمل الطلبة، يدرون 52 % من مجموع الرسوم الجامعية. من الواضح أن نفقات الجامعات في ازدياد، ومتطلبات العملية التعليمية تتضاعف. وفي ظل دراسات تقول إن كلفة الطالب في أي جامعة أردنية تقارب 2500 دينار (1840 دينارا العام 2005)، فإن الحل الأمثل هو زيادة أعداد الطلبة في البرنامج الموازي.  للموازي ميزات أخرى؛ فهو خارج عن القبول الموحد، ولا رقابة عليه على الإطلاق، ويمكن القبول عليه وعلى البرنامج الدولي كيفما أرادت الجامعة. عندما وضعت الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي 2007-2012، كان على الجامعات الأردنية أن تصحح أوضاع القبول فيها، بحيث تلتزم بمعايير الاعتماد العام 2012. لكن هذا لم يحدث. فأصدرت هيئة الاعتماد في العامين الماضيين جدولا حددت فيه الطاقات الاستيعابية للجامعات، فإذا بها 170 ألفا؛ أي أن في الجامعات 50 ألف طالب بكالوريوس زيادة عن طاقاتها الاستيعابية، منهم من هو في البرنامج العادي ومنهم من هو في الموازي. ويتباين عدد طلبة "الموازي" بالنسبة لمجموع الطلبة من 3 % إلى 55 %، بحسب الجامعة والتخصصات التي تطرحها. لذلك جاء مجلس التعليم العالي في السنة الماضية وحدد نسبة "الموازي" بحد أعلى هو 30 %. لقد أدى كل ما سبق إلى اختلال في منظومة التعليم العالي لكثرة عدد الطلبة، ولنقص التمويل الجامعي. ويلحظ المراقبون تراجعا في الرضا لدى العاملين والمشغلين للخريجين. خلال تلك الفترة، كان علينا أن نلحظ رسائل ملكية سامية لرؤساء الحكومات المتعاقبين تتعلق بالتعليم بصفة محددة، توجههم وتطلب منهم إصلاحه والارتقاء به. وهي رسائل تؤكد على ما كان قد ورد عن التعليم بشقيه العام والجامعي في كتب تكليف تلك الحكومات. ومن الغريب كذلك أن تلك الدعوات والرسائل لم تترجم على أرض الواقع برؤية تنفيذية، وبقي الأمر كما هو.  وبالتالي، لم يكن غريبا صدور الإرادة الملكية بتشكيل اللجنة الملكية لتطوير الموارد البشرية، ولا أن نرى فيها تلك النقاط المحددة تفصيلا لما هو المطلوب في عملية متكاملة للإصلاح تهدف إلى إنتاج قوى بشرية مؤهلة تأهيلا رفيعا. عملية تشمل إصلاحا يبتدىء من رياض الأطفال مرورا بالمدارس وانتهاء بالجامعات. من الواضح أن إصلاح التعليم العالي يقتضي بالإضافة إلى إصلاح الحوكمة والتمويل والقبول، إصلاحا في هيكيلة البرامج المطروحة.  ولذلك، فإن اللجنة الملكية نظرت بعمق في الأشهر الماضية، خلال اجتماعات مكثفة وعبر لجان موسعة، في كل هذه القضايا، واقتربت من كتابة مقترحها  الشامل.  يقتضي إصلاح الخلل في كينونة البرنامج الموازي الإلغاء. وهو أمر يحل الإشكال الدستوري، ويساوي بين المواطنين. وهو يتيح تطبيق قرارت هيئة الاعتماد على السعات الاستيعابية، ويوسع قاعدة القبول على البرنامج العادي. ولمقترح الإلغاء سيئة واحدة، وهي: من أين يمكن تدبر مبلغ يساوي ما تحصله الجامعات الآن عبر البرنامج الموازي والدولي؟ سيسدد الطلبة غير الأردنيين الملتحقين بالبرنامج الدولي جزءا يسيرا، ويتبقى الجزء الأكبر بحاجة لتمويل. ويمكن السؤال الآن: من أين يمكن تدبر هذا المبلغ؟ والجواب الواضح أنه من أحد مصدرين غير قابلين للتحقيق: زيادة الرسوم أو الدعم الحكومي.  وعليه، لا بد من التساؤل: لو كان البرنامج العادي برسوم رمزية أو مجانا، هل سيقبل الأردنيون أن تفرض عليهم ضريبة للتعليم تكفي الجامعات؟ أعتقد أن أغلب الأردنيين سيوافقون أن يكون تعليم أبنائهم في الجامعة مجانا، وتستوفى من كل الأردنيين ضريبة معينة. سيرون فيه إصلاحا مجتمعيا يحاول توزيع بعض المكتسبات بين الناس، وهو تكافلي بامتياز ويقتطع الضريبة من المقتدر. لقد كان قانون ضريبة الدخل للعام 2009 قد أوقف اقتطاع ضرائب للجامعات اعتبارا من 1 /1 /2011. إن الضريبة الجديدة التي تضمن التعليم المجاني يجب أن تكون محصلة لصندوق لا علاقة للحكومة به، حتى لا يؤول مآلها لما جرى للضريبة السابقة عندما كانت تودع في موازنة الحكومة.  إن من متممات مشروع كهذا أنه يجب العودة في هذا السياق لمشروع التعليم التقني لإيجاد فرص للطلبة نتيجة تطبيق السعات الاستيعابية للجامعات. ويجب تعديل نظام الخدمة المدنية ليساوي بين خريج البكالوريوس وخريج التعليم التقني ماليا ووظيفيا. وعلى الجامعات أن تسوق نفسها خارجيا لاستقطاب طلبة عربا وأجانب. وعلى الجامعات الالتزام بالإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة - الغد .

اوائل - توجيهي أردني . * وزير التعليم العالي الأسبق.