ل

يكاد يجزم الفاعلون التربويون جميعهم على كون استراتيجيات وطرق التدريس التي تسعى إلى أشراك المتعلم في تعلمه هي الأكثر نجاعة، وهي التي تخلق تعلما حقيقيا، عكس نظيرتها التقليدية التي يزداد مُنتقدوها يوما بعد يوم. وعموما، لا يمكننا الجزم بكون طرق التعليم التقليدية أصبحت متجاوزة أو غير مفيدة، كما لا يمكن بأي حال تبخيسها. فعلا، قد تكون قاصرة، لكن وقتَ وضعِها جانبا على الرف لم يحن بعد. ولتجاوز مكامن ضعف هذه الطرق التقليدية اجتهد المنظرون والممارسون في الحقل التربوي وأبدعوا طرقا وأساليب واستراتيجيات أكثر تقدما وفاعلية وإنتاجية، ومنها التعلم النشط الذي سنحاول الإحاطة به في هذا المقام.

ما هو التعلم النشط إذن؟ و ما إيجابياته؟ و ما العوائق التي قد تعترضه؟ والفرق بينه وبين التعليم التقليدي؟…

1- ما هو التعلم النشط ؟

التعلم النشط Active learning فلسفة تعليمية تربوية تهدف إلى تفعيل دور المتعلم وجعله -أي المتعلم- محوريا في العملية التعليمية التعلمية وتسعى إلى الانتقال بالمتعلم من حالة المتلقي السلبي (كما هو الحال في طريقة المحاضرة) إلى إيجابية المتعلم وفاعليته في المواقف التعليمية (كما هو الحال في استراتيجيات التعلم النشط)، وذلك باستهداف مهارات التفكير العليا بالدرجة الأولى كالتحليل والتركيب والتقويم، اعتمادا على مواقف تعليمية وأنشطة مختلفة تستلزم البحث والتجريب والعمل والتعلم الذاتي أو الجماعي أيضا… لاكتساب المهارات والحصول على المعلومات وتكوين الاتجاهات والقيم.

 

و هي كلها أمور تستلزم: – المشاركة الفاعلة والإيجابيّة للمتعلم في مختلف المواقف التعلمية. – إلقاء مسؤولية التعلم على الطالب أو المتعلم. – الخروج من إطار التعليم التقليدي والانفتاح على الجديد. – اعتماد المتعلم على نفسه في اكتساب المهارات والحصول على المعلومات (وحل المشاكل بصفة عامة) دون اللجوء إلى أساليب كلاسيكية كالحفظ. – تنمية قدرات المتعلم التفكيرية ليستطيع حل مشاكله بنفسه.

2- التعلم النشط باختصار

ما هو مفهوم التعلم النشط إذن؟

– هو محاولة للقطع مع التلقين والحفظ والطرق التقليدية عامة، حيث يقدم المعلم المعارف و يكتفي المتعلمون بالاستماع. – يعتمد بالدرجة الأولى على تنمية التفكير وإكساب المتعلمين القدرة على حل المشكلات. – يُشجع العمل الجماعي والتعلم التعاوني . – يراعي تنويع مصادر التعلم. – يزيد فرص التواصل بين المعلّم والمتعلمين. – يحفز المتعلمين على التفكير فيما هم بصدد تعلمه.

3- فلسفة ومبادئ التعلم النشط

تتلخص هذه الفلسفة في جعل المتعلم في قلب العملية التعلِيمية التعلُّمية، بنقل بؤرة الاهتمام إليه المتعلم وجعله محور هذه العملية، وذلك بجعل التعلم: – ينطلق من استعدادات المتعلم وقدراته. – مرتبطا بحياة المتعلم واهتماماته واحتياجاته. – قائما على تفاعل المتعلم مع بيئته ومحيطه. – يحدث في أماكن أخرى غير الفصل الدراسي مثل البيت أو النادي أو أي مكان ينشط فيه المتعلم.

4- إيجابيات التعلم النشط

للتعلم النشط وَقْعٌ إيجابيٌ على العمليةِ التعلمية التعليمية، يمكن اختصاره في: – تشجيع التفاعل بين المتعلمين بعضهم البعض، وبينهم وبين معلمهم، سواء داخل الفصول الدراسية أو خارجها. – تشجيع التعاون والعمل الجماعي. – تقديم تغذية راجعة سريعة وفورية، ومتابعة مستمرة للمتعلمين بهدف التدخل في الوقت المناسب. – توفير الوقت الكافي للتعلم. – مُناسب لتوظيف الذكاءات المتعددة.

5- لماذا التعلم النشط ؟ (الأهمية والدواعي)

قد يتساءل البعض عن الجدوى من التعلم النشط وعن مميزاته، ودواعي اعتماده. للجواب، نقول أنه يمكننا الاستعانة به لأنه:

– يجعل التعلم متعة، مما يزيد من فرص اندماج الطلاب أثناء التعلم. – يُعوِّد الطلاب على تحمل المسؤولية. – يحفز الطلاب على الإنتاج المتنوع والجيد والمتراكم. – يُكسِب الطلاب القدرة على التعبير عن الرأي. – ينمي الثقة بالنفس لدى الناشئة. – يُعزِّز مستويات التفكير العليا عند المتعلمين. – ينمي البحث والتفكير. – ينمي القيم والاتجاهات لدى الطلاب. – يعود الطلاب على اتباع التعليمات وقواعد العمل. – يساعد على توفير جو للتفاعل الإيجابي بين المتعلمين خصوصا في المهام المعقدة (التعلم التعاوني والجماعي). – يحقق استمرارية التعلم (التعلم المستدام). – يُعزز المنافسة الإيجابية بين المتعلمين. – ينمي الرغبة في التعلم، ويروم درجة الإتقان. – متوافق ومحفز لاستخدام أساليب وطرق التعلم الجديدة.

وهذه أسباب أخرى تبرر الحاجة إلى التعلم النشط الذي يعد عاملا مساعدا في تحقيقها: – المتعلم، في طريقه للفهم، يسعى إلى ربط الأفكار والمعرفة الجديدة بمواقف من الحياة. – المتعلم يسعى دائما إلى ربط كل موضوع جديد بالموضوعات ذات العلاقة، والتي سبق له دراستها. – المتعلم يفضل في الغالب الموضوعات التي تتضمن حقائق ومعلومات كثيرة عن تلك النظرية التي تتطلب تفكيرا أعمق. – المتعلم يحرص في العادة على فهم المعنى الإجمالي للموضوع قبل جزئياته. – المتعلم يحتاج في الغالب وقتا كافيا للتفكيـر.

6- أُسُس التعلم النشط

هي أسس وأركان لا يقوم إلا بها وأهمها:

– توظيف استراتيجيات التدريس (النَّشِطَة) المتركزة حول المتعلم . – إشراك الطلاب في تحديد الأهداف التعليمية ونُظم العمل وقواعده . – إتاحة الفرصة لكل طالب للتعلم حسب سرعته الذاتية (الفارقية) . – الحرص على توفير أجواء المتعة والمرح و الطمأنينة أثناء التعلم. – تنويع مصادر التعلم وأدواته ووسائله. – الاعتماد بالدرجة الأولى على التقويم الذاتي وتقويم الأقران. – تعويد الطلاب على الإدارة الذاتية (الاعتماد على النفس واتخاذ القرار). – تقديم المساعدة للطلاب متى احتاجوا إليها (المتابعة). – مساعدة الطالب اكتشاف مكامن القوة في شخصيته وعمله…