أسماء رجا - "طفلة تتعرض للإغماء من شدة جوعها، هذا مشهد لم يكن تمثيلا، بل واقعا لطالبة في المرحلة الاساسية من التعليم، أرهقها الجوع" وفق ما شهدته المعلمة "نسرين" في أحد مدارس محافظة البلقاء، وسط المملكة.
 
التقينا بهذه الطفلة البالغة من العمر 13 عاما، وتدعى رحمة، تقول لنا بخجل: "احنا ستة بالبيت، أيام كثيرة أبوي ما بعطينا مصروف المدرسة، وفي البيت ما في فطور".
 
المعلمة نسرين التي ساعدتنا في الوصول إلى تلك الطالبة، تؤكد أن هنالك حالات متكررة لاغماء طالبات في ذات المدرسة والسبب "نقص التغذية" كما تؤكد حيث يتم تزوديهم بطعام كونهن بالغالب لا يفطرن.
 
"بقاء الطالبة لثمان ساعات دون طعام بالتأكيد سيعرضها للإنهاك والدوخة"، وهنا تدلل تلك المعلمة على أهمية توفر التغذية المدرسية للطلبة بإعتباره أمراً هاما جدا في تحصيل الطالب الدراسي.
 
مطالبة بغذاء المدارس
 
إلى الجنوب من المملكة، لم يستطع كمال القطاونة القاطن في لواء المزار الجنوبي بمحافظة الكرك إخفاء قلقه المتنامي على ابنائه الطلبة إثر استمرار تجاهل مطالبه وسكان المنطقة التي اطلقوها منذ 2012 بشمول مدارس اللواء ببرنامج التغذية المدرسي الذي تنفذه وزارة التربية والتعليم في العديد من مدارس المملكة، علما انها تعد من مناطق جيوب الفقر في المحافظة .
 
فثمة طلاب في مدارس بالمزار مركز اللواء وقراه كمجرى والطيبة وحي والحامدية؛ يفتقرون إلى الغذاء، "يمنعنا من تأمين وجبة افطار يومية لأبنائنا أو حتى على الاقل توفير مصروف لهم"، يقول كمال وهو أب لثلاثة ابناء في الصفوف الدراسية الاولى.
 
"غالبية سكان اللواء متقاعدون، رواتبهم التقاعدية لا تتجاوز الثلاثمئة دينار شهريا لا تغطي احتياجات ابنائنا"، يقول القطاونة.
يصف عبد الحميد، احد سكان المنطقة، الوضع بالبائس "البطالة والفقر يتفشيان في القرى".
 
متوسط عدد العائلات في تلك القرى بين سبعة وثمانية افراد. "كيف لعائلة لديها هذا العدد من الابناء تأمين فطور يومي لهم؟" يتسائل عبد الحميد.
 
14% معدل الفقر
 
تتجاوز معدلات الفقر في المملكة، وفق تقرير دائرة الاحصاءات العامة لعام 2010، نسبة 14%، ففي محافظة الكرك وحدها ثلاثة مناطق جيوب فقر، ومحافظة البلقاء بواقع منطقي جيوب فقر. يشير التقرير الى أن قيمة خط الفقر المدقع (الغذاء) 336 ديناراً للفرد سنوياً.
 
تشير البيانات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة في تقرير حالة الأمن الغذائي في الأردن للأعوام 2010-2011 إلى أن %0.3 من أسر المملكة غير آمنة غذائيا و 2.1 % منها تعتبر هشة نحو إنعدام الأمن الغذائي.
رسالة استغاثة
 
وجه أهالي من المزار الجنوبي للحكومة رسالة استغاثة "لم تكن من فراغ" كما يقول عبد الحميد مفلح، "لدينا قناعة راسخة أن تحصيل أبنائنا المدرسي في تراجع مستمر". يعتقد أن سوء التغذية ونقص الفيتامينات واحدا من أسباب التراجع، حيث يعانوا بعد عودتهم من المدرسة من تعب وإنهاك عام.
 
البرنامج في سنوات
 
أنطلق برنامج التغذية المدرسية الوطني عام 1999 بشراكة بين وزارة التربية والتعليم والقوات المسلحة مستهدفا مناطق جيوب الفقر، وليشمل صف رياض الأطفال وحتى الصف الرابع الاساسي، ثم توسع لاحقا عام 2005/2006 بإضافة مناطق جديدة مشابهة في ظروفها الاجتماعية والاقتصادية للمناطق المشمولة، ومن صف رياض الاطفال وحتى الصف السادس الاساسي بتوزيع وجبة غذائية يومية للطلبة تتكون من عبوة بسكويت عالي البروتين مدعم بالفيتامينات والمعادن، وحبة فاكهة .
 
توسع المشروع لاحقا عام 2014 بعد توقيع شراكة مع منظمة الاغذية العالمية بدعم من كندا وروسيا والسعودية، بمبلغ وصل إلى 18 مليون دولار، ينتهي في أيار عام 2017.
 
يشمل مشروع منظمة الاغذية العالمية، 1806 مدرسة في احدى وثلاثين مديرية تربية وتعليم وثلاثة مخيمات للاجئين الفلسطينيين، تشمل جميعها 355 ألف طالب وطالبة.
 
تشمل المدارس المشمولة، في المناطق التي تعاني من "الهشاشة وإنعدام الأمن الغذائي"، وهي المناطق التي تأثرت من الأزمة الاقتصادية عام 2008 ثم تبعات اللجوء السوري، وفق مدير العلاقات مع الدول المانحة والقطاع الخاص في برنامج الاغذية العالمية بالأردن، فاتن الهندي.
 
يتم توزيع وجبة على الطلبة من رياض الأطفال وحتى الصف السادس الأساسي على مدار الأسبوع؛ يومين يتم فيهما توزيع قطعة بسكويت مدعمة بالفيتامينات وذلك في المخابز التي تديرها القوات المسلحة الأردنية، والثلاثة أيام الباقية توزع فيها قطعة بسكويت محشوة بالتمر وحبة من الفاكهة الطازجة.
 
شهد المشروع توسعا العام 2015 بافتتاح "المطبخ الانتاجي" ومن خلال الجمعية الملكية للتوعية الصحية- تأسست عام 2005 لزيادة الوعي الصحي وتمكين المجتمع المحلي من إتباع سلوكيات صحية - يشمل نحو الفي طالب في عشرة مدارس بمحافظة مادبا، تقول مديرة إدارة التعليم في الوزارة، خولة ابو الهيجاء.
 
فيه يتم تقديم وجبة مكونة من البيتزا مع حبة فاكهة أو قطعة معجنات مع حبة خضار، "سنتوسع في المطبخ الإنتاجي بدعم من منظمة الاغذية العالمي"، تقول ابو الهيجاء.
حق منقوص
 
الحق في الغذاء نصت عليه الاتفاقيات والمواثيق الدولية وتعتبر ملزمة للدول الموقعة عليها من بينها الاردن ، فالمادة الحادية عشرة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تنص على "أان لكل شخص الحق في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمأوى، وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق".
 
البند الثاني من المادة الحادية عشرة، ينص على "إعترافا بما لكل إنسان من حق أساسي في التحرر من الجوع، تقوم الدول الأطراف في هذا العهد، بمجهودها الفردي وعن طريق التعاون الدولي، باتخاذ التدابير المشتملة على برامج محددة ملموسة واللازمة".
 
أما البند الأول في المادة الخامسة والعشرين من الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان الذي صدر عام 1948 وتستمد الاردن منه العمل في إطار التشريعات بالقول "لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته".
 
مراجعة سياسة توفير الغذاء
 
لا يرى الناشط الحقوقي، كمال المشرقي، برنامج التغذية المدرسية بالفاعل، "على الحكومة الاردنية مراجعة سياساتها تجاه توفير التغذية المدرسية لكافة الطلبة" حيث الأساس شمول جميع المدارس بمنأى عن محدودية المشروع.
 
المادة السادسة والثلاثين من تقرير اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ردت فيه على تقارير الدول الاطراف ومن بينها الأردن والصادر عام 2000 ، نصت صراحة بقولها "لتمكين الدولة الطرف من رصد امتثالها للمادة 11 من العهد، المتعلقة بالحق في الغذاء، توصي اللجنة بأن تقوم الدولة بصورة منتظمة بجمع بيانات عن سوء التغذية ولا سيما سوء تغذية الأطفال. ويرجى من الدولة الطرف توفير معلومات في هذا الشأن في تقريرها الدوري الثالث".
 
الأمر الذي يجعل على الأردن مسؤولية تعزيز هذا الحق، وهنا يقول المشرقي "هنالك ضعف في تناول هذا الحق من حيث مؤشرات أو عمل دراسات على سبيل المثال الأردن لم يذكر هذا الحق بشكل مفصل في تقريره الذي قدمه امام لجنة الميثاق العربي منتصف الشهر الماضي".
 
لا مخصصات مالية "
 
تعزو الدكتورة ابو الهيجاء عدم شمول كافة المناطق الفقيرة في المملكة إلى عدم وجود المخصصات المالية اللازمة لذلك، مقدرة المبلغ المطلوب بخمسة أضعاف المبلغ الذي تصرفه الوزارة سنويا بمقدار 10 ملايين دينار ويشمل اربعة ملايين ونصف من الوزارة ، والنصف الاخر من برنامج الاغذية العالمي.
 
تؤكد أبو الهيجاء أن الوزارة تسعى لتوفير المخصصات المطلوبة، وأن اجتماع عقد تم قبل اسبوع بين الوزارة ومنظمة الاغذية العالمية حول ذلك على أمل الحصول على دعم.
 
نتائج ايجابية
 
حجم شمولية البرنامج لمدارس المملكة بنحو 70%، حسب الوزارة، التي ما تزال تستلم طلبات من مدارس لشمولها تحديدا من مناطق دير علا ومعان.
 
"لمسنا تأثيرا إيجابيا على الطلبة، بانخفاض نسبة تسرب المدرسي" وفق أبو الهيجاء، التي كشفت عن دارسة بدأتها الوزارة منذ نحو كانون الثاني الماضي على أثر البرنامج التغذية المدرسية على التزام الطالب بالإضافة أثره على الاسر.
 
أثر يطال معلمين
 
مديرة مدرسة عين الباشا الأساسية، تركية نصيرات، رصدت في مدرستها تفاعلا بين الطالب ومدرسته وتفاعله مع الحصص المدرسية، "الان احضر حصص للصف الاول في نهاية الدوام يكون فيها الطالب شعلة من النشاط".
 
المعلمة جواهر الشطرات، مسؤولة التغذية المدرسية، رصدت في مدرستها "قلة في استهلاك الاطفال للأغذية غير الصحية كالشيبس وغيرها، هذا ما يؤثر على بناء عقلهم بشكل سليم".
 
إنخفاض مؤشر التسرب
 
تكمن أهمية البرنامج، على ما تؤكد مسؤولة منظمة الاغذية العالمية في الأردن، استهدافه التحصيل العلمي للطلبة والحالة التغذوية والصحية من خلال " تحسين المستوى العلمي، وتحسين الحياة الصحية والحد من نقص الفيتامينات، والحد من نسب التسرب".
 
من خلال مشاهدات فرق البرنامج التي تنفذه زيارات ميدانية على المدارس المطبق فيها البرنامج "لاحظنا تغير على صحة الطلبة لكن لا نملك دراسة حول الأمر"، تقول الهندي.
 
نفذ برنامج التغذية الدراسية في منظمة الغذاء العالمية دراسة نوعية بين عامي 2014 – 2015، تبين من خلالها أن البرنامج "أسهم إبقاء الطلبة على مقاعد الدراسة بنسبة تزيد عن 90% كما أسهم بالقضاء على الجوع قصير المدى"، على ما تقول آمنه عصفور مسؤولة برنامج التغذية المدرسية في المنظمة الدولية.
 
"حسب ملاحظات معلمين، حول أداء الطلبة خلال جلسات نقاشية معهم، تبين أن نسبة التسرب نحو 2%"، تقول عصفور.
 
أهمية التغذية المدرسية بلغة اخصائي التغذية
 
"بقاء الطفل في المدرسة دون تغذية له اثر سلبي على صحته، الجسم يحتاج إلى تغذية صحية خاصة في مراحل نموه وعدم توفيرها يعني عدم نمو الدماغ بشكل سليم، ما يؤثر على استيعاب الطالب وينعكس سلبا على تحصيله العلمي، ناهيك عن ان الجسم قد يصبح عرضة للأمراض". تقول لنا خبيرة التغذية امل حداد.
 
تشير الأخصائية حداد إلى ان طلبة المدارس بحاجة الى توفير مكونات اساسية من الفيتامينات والمعادن، خاصة فيتامينات الكالسيوم والحديد والزنك وغيرها ، والتي من الضروري توفيرها من خلال حصول الجسم على البروتينات والخضار والنشويات.
 
في تقرير المقررة الخاصة المعنية بالحق في الغذاء، "هلل الف" عام 2014 تم إحالته الى الجمعية العامة للأمم المتحدة آنذاك، وتحديدا في المادة الرابعة والعشرين تحت عنوان "عن امكانية المقاضاة على الحق في الغذاء"، لفتت إلى إمكانية مقاضاة الدول الاطراف في أعمال الحق في الغذاء من خلال البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية النافذ في ايار عام 2013 وبموجبه " منح الافراد او المجموعات الخاضعين لدولة طرف الحق في تقديم البلاغات بشأن الانتهاكات المزعومة لأي من الحقوق الاقتصادية او الاجتماعية او الثقافية ، وتذكر اجراءات الشكاوى الحكومات بمسؤوليتها عن احترام وحماية واعمال الحق في الغذاء الكافي.
 
بقي عام واحد على نهاية مشروع برنامج الاغذية العالمية، فيما تشير فيه نتائج التعداد السكاني الذي أعلنت عنه الحكومة في شباط الماضي إلى أن 95% من الاردنيين في عمر التعليم الأساسي ملتحقون بالمدارس، وهي الفئة العمرية "6-15" سنة، الامر الذي يضع الحكومة أمام مسؤولية إعمال الحق في الغذاء لآلاف الطلبة - أخبار الأردن .
أوائل - توجيهي أردني .