ذوقان عبيدات - ان خطايا واخطاء المناهج والكتب المدرسية، لم تعطنا المجال للتعمق في الحديث عن التطور والتغيير والإصلاح، فكان هدفنا إزالة ما علق في مناهجنا من هذه الخطايا، فيما اتهمنا المسؤولون بتصيد اخطاء جزئية لا قيمة لها. 1 - إن كل جزئية تعرضنا لها، كانت انعكاساً لمبدأ اساس ومهم: - فحين نقول: سلوى تساعد امها في أعمال المنزل، هذا يعكس تنميطاً لدور المرأة، وخرقاً لنضالاتها على مدى عقود. - وحين نقول: حقوق الزوجة بدلاً من حقوق المرأة، فهذا يعكس نظرة قاصرة عن أدوار المرأة المتزوجة والمطلقة والمترملة وغير المتزوجة! - وحين تحذف مكوناً من "العيش المشترك" فهذا يعكس انحرافاً عن المواطنة. - وحين نقول بأن كل ما في العلم مصدره الدين، فهذا يعكس سوء ظن بالعلم، وتخديراً لقوانا وفهمنا، حيث نعلن ان الآخرين لم يأتوا بشيء. - وحين نبذل جهداً لجمع عشرات المصادر والحيثيات، لنقول إننا سبقنا لوائح حقوق الأنسان العالمية، فهذا يعكس اصراراً مكشوفاً على قلة احترام الآخر، وتهميش جهوده، والاساءة الى الحقوق. - هذه وغيرها، ليست جزئيات، بل قضايا كبرى تعكس رغبة ثقافة ما بعدم احترام المنطق والعقل والثقافات الأخرى. 2 - وحين قلنا:  غيرت الوزارة الكتب دون أي تغيير في المناهج وفلسفتها، قيل هذا نقد "هواة"، علماً بأنه ثبت في برنامج نبض البلد، أن من غيروا الكتب لم يسمعوا بوجود منهج حديث، ولا نهج قديم، ولا حتى منهج! وحين قلنا: كان التغيير حلماً فردياً، ومزاجاً مظهرياً، لأنه جاء قبل مؤتمر التطوير في تموز (يوليو) 2015، كرروا تهمة محاولة الاساءة الى ديننا وعلمائه. وحين كلفت الوزارة نفس العقليات، التي اعدت المناهج القديمة، باعادة تطويرها، قلنا: هذا عبث هواة، لأن من صنع المشكلة لا يمكن له حلها، وإن الأمل بن عمل الاخطاء السابقة ليس من أعمال الذكاء. بعيداً عن السجالات، أنا على ثقة بأن الخطايا التي نبهنا لها، مع زملائي، لن تبق، بل ستحذف من الكتب - دون أن نشكر - وربما سيدعي البعض بطولات حذفها. إذن، نتحدث الآن في مستوى ما يجب أن يكون. ولنبدأ مع معالي الوزير حديثاً هادئاً، باعتباره لاعباً، ربما وحيداً - في الساحة التربوية الرسمية، فلا لجان تخطيط حاسمة، ولا مجالس فاعلة، ولا مؤتمرات قادرة أو نزيهة، حيث فعل فيها ما فعل في الانتخابات! 3 - قانونية ما نفعل: أ- يؤكد الدستور الأردني: الأردنيون أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العرق او اللغة أو الدين. الحفاظ على السلم الاجتماعي واجب مقدس على كل أردني. وتكفل الدولة حرية البحث العلمي والابداع الأدبي والفني والثقافي والرياضي. هذا يعني أن التعليم وغيره من الأنشطة، يجب أن تتوافق مع الدستور، فان قوانين الدولة مصدرها الدستور.. وإذا تعارض أي اجراء أو فكر أو سلوك مع الدستور، فإنه لا يجوز أن يحتكم إليه، او يشجع عليه أو يدعى إليه. ب- ويؤكد قانون التربية، رقم 3 لعام 94، على ما يأتي: - عروبة فلسطين والعمل على استردادها. - الأمة العربية حقيقة تاريخية والوحدة العربية ضرورة. - التوازن بين مقومات الشخصية الوطنية والقومية والاسلامية والانفتاح على الثقافات. - التكيف مع متغيرات العصر. - الأردنيون متساوون في الحقوق والواجبات. - احترام حرية الفرد وكرامته. - التفكير النقدي الموضوعي. - تذوق الجوانب الجمالية. - التمسك بحقوق المواطنة وتحمل مسؤولياتها. - تفهم ما في الاديان السماوية من قيم ومعتقدات. - يستخدم العقل في الحوار. اذن نحن محكومون في حياتنا وتعليمنا بقواعد دستورية وقانونية. إننا لن نحتاج الى محكمة دستورية لتحكم لنا، إن أي تميز في المواطنة ليس دستورياً. ولا يحتاج احدنا ليقول إن السارق في القانون الأردني يعاقب بالسجن.  4 - وفي التراث والمناهج:  فإن من البديهي ان نقول ان التراث الثقافي هو منتج حي ويبقى حياً، ومن الخطأ أن نقول: احياء التراث، ولذلك لا يعاب على المناهج أن تكون تراثية، بل يجب أن تكون، ولكن أي تراث؟ * لدينا تراث قديم، تغيرت صلاحيته، وتراث قديم ما زال ملهماً! * لدينا تراث فني، جمالي، موسيقي تمثل في الشعر والغناء، والموسيقى، والأدب بأنواعه. * ولدينا تراث فكري تمثل في المعتزلة وأبي العلاء المعري وابن عربي وابن رشد وغيرهم... * ولدينا تراث من التفكير وحرية الضمير وحرية الاعتقاد. ولدينا تراث من احترام الآخر، وتقبله، وتقبل اسهامه، بل إن روائع تراثنا عكست اسهام الآخر ومشاركته. * ولدينا تراث في احترام المرأة، فكانت ملكة، وشاعرة، ومفكرة ومقاتلة، وباحثة وعالمة. * ولدينا فلسفة وفلاسفة. وهو تراث حي، ولكنه غيب تماماً عن المناهج والكتب. وفي الجانب المقابل: * لدينا تراث من العنف والقسوة، مات ولكننا بعثناه حياً. * لدينا تراث من المحاججة والمماحكة، واحتقار الآخر، واعدنا إليه الحياة "ونشرب إن وردنا الماء صفواً.. ويشرب غيرنا كدراً وطيناً!". * ولدينا تراث من المنافحة والمنافخة والمكابرة والغرور ماتت ظروفه، ولكننا نريد ان نحييه من جديد: "إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً.. تخر له الجبابر صاغرينا". ولدينا تراث من إهمال المرأة، وتهميشها، وتحنيط ادوارها، مات هذا التراث، وعادت للمرأة بعض حقوقها، ولكننا عدنا اليه في قوانين عدم الخروج من المنزل، وضرورة البقاء في المنزل.  5 - التراث والانتقائية  والتراث والمعاصرة: إن الانتقائية في التراث في مناهجنا فاضحة، فنحن اخذنا كل ما استطعنا من تراث تجاوزه الزمن لنعيده حياً الى طلابنا: * أخذنا الوعيد والتهديد والعنف والقسوة مقابل التوجيه والتعليم. * اخذنا سبي الأموال والنساء مقابل رعاية الاسرى واحترام انسانيتهم. * اخذنا اسماء قديمة في مجال واحد، مقابل اسماء في الفلسفة والفن والاختراع. * اخذنا السوداوية والتذمر مقابل ثقافة الفرح. * اخذنا معاداة الحياة مقابل حب الحياة. * استسهلنا التلويح بالعذاب والوعيد والنار مقابل الحوار والوعد والبشر. * اخذنا العقل المحاجج مقابل العقل المنتج. * خلطنا الابداع بالبدعة والضلالة، مقابل الابداع بالتقدم والتنمية. * قدمنا اسماء لم تضف لحضارتنا شيئاً، وحذفنا اسماء بنت حضارتنا. * واخيراً، وجهنا طلابنا الى كتب وتغييرات دينية ومراجع (وبالمناسبة هذه الكتب منتج بشري، وليست مقدسة) مقابل مراجع فكرية وأدبية وفنية. استبدلنا التقليد بالابداع، واستبدلنا القيم التقليدية بالحداثة، والشعراء الهامشيين بعرار ونزار. وقدمنا المسح على الخفين نموذجاً لقدرتنا على الاجتهاد والابداع. وألفنا كتباً تنكرت لتراثنا المشرق قصداً، لنبرز ضيق افقنا ونحشر طلابنا داخله. إن تراثنا مليء بحرية المرأة، ومليء بالفلسفة والتفكير الحر وعمالقة الفلسفة والفكر، ومليء بقيم الحب وأسمائه الثمانية والثلاثين. ومليء بالقيم الجمالية المتمثلة بالجمال والحلاوة والملاحة والرقة والروعة، ومليء بقيم المنطق والاستدلال والاستنتاج والاثبات والانتاج، والدليل والبرهان. وهو مليء بقيم الخير والدعم، والمساندة، والمشاركة والتعاطف والنجدة والايثار. إن تراثنا مليء بافكار وقيم واحداث وروايات متضادة أو متناقضة، من المتجدد والملائم دائماً، وحتى الجامد غير الملائم، فأي تراث نختار؟ إن بعض التراث يعكس جموداً وخروجاً عن ثقافة الحياة، فأي فائدة لنا في اشعار التفاخر والاستعلاء؟ وأي فائدة لنا ولأجيالنا أن نحدثهم عن تهميش المرأة، وسبي النساء والرق، والخنوع أمام المغول؟ لقد حرض بعض ادعياء العلم على حرق الكتب، وتدمير المكتبات، وما زالوا يمنعون كتب الاغاني والعقد الفريد واشعار ابي العلاء وافكار ابن رشد، وغيره من الفلاسفة. هذه هي مناهجنا! لم تعكس التراث بل اساءت اليه وشوهته، ووقفت عند حدود ما شوهت! ان المناهج والكتب منتج بشري، لا منتجاً مقدساً، ولا يجوز التهديد بالمقاطعة والتكفير، واقحام الدين - بل تفكيرهم وتفسيرهم المتشدد بل والخاطئ - في جدالات وحوارات لمنتج بشري!! 6 - وفي الحوار: لم تشجع مناهجنا الحوار، بل شجعت قيماً متناقضة معه. إن قيم الحوار هي: البحث عن الحقيقة، وحرية الضمير، وحرية القرار والاختيار، وحرية ارتكاب الخطأ، وحرية التجريب...الخ. فأين هذه القيم من الالزام والتمثل والتمسك والتقيد، وهي قيم تكررت مئات المرات في مناهجنا وكتبنا! نعم، مطلوب منا أن نحشر في هوية ثانية جامدة تقليدية، حذفت ابرز تراثنا الثقافي وحذفت الحداثة، وتحاول منعنا من الالتحاق يها. 7 - وفي المستقبل: وهو عدو التقليد والثبات، تحاول المناهج، شد عيوننا واذهاننا إلى الوراء، وطلبت منا قيادة السيارة من خلال النظر فقط إلى المرآة، التي ترينا ما وراءنا فقط. فتحليل مناهج اللغة العربية يوجه طلابنا الى انشطة موغلة في تراث غير اساسي في تشكيل مستقبلنا، مهملة روائع هذا التراث: "لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي.. اذا لم يكن دينه على ديننا. أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه.. فالحب ديني وإيماني". إذن القضية ليست في تراثنا فالتراث كالوطن للجميع، ولكن أي تراث يريدون. 8- وفي مهارات الحياة، وهي ما ركز عليه قانون التربية: - استخدام العقل، وليس استخدام اليد. - التعلم الذاتي، وليس التلقين. - تذوق العمل الفني، وليس تحريمه. - يحترم الاخرين، ولا يستعلي عليهم. - يتقبل ذاته، ولا ينفر منها. - يعبر عن موهبته، ولا يكبتها. ماذا فعلت المناهج؟ اذا كان من اعد الكتب لا يطلع على المنهج، فكيف نتوقع أنه اطلع على قانون التربية؟! ومرة اخرى، نحن مع التراث ونحن مع القانون.. ومناهجنا ليست كذلك! وأخيراً لا يجوز: - تضمين مناهجنا دعوات مخالفة للقوانين والدستور، مهما كان مصدر هذه الدعوات، ومهما كان سمو هدفها. فالقوانين الأردنية وضعت عقوبات لحمل السلاح، والتدخل في حياة الآخرين، وفي استخدام اليد واللسان وحتى القلب في اصلاح الفاسدين، ووضعت عقوبات للسارق والمزيف وغيرهم. - تضمين مناهجنا دعوات لخرق حقوق الانسان والتقليل من شأن اللوائح الدولية، وربط حقوق فكرية بواجبات، فحق الانسان التعلم والحرية والكرامة والبيئة النظيفة، دون قيود على هذه  الحقوق. - تضمين مناهجنا دعوات الى التمييز، والتعصب والعنف وبث كراهية الآخر، سواء كان محلياً أو خارجياً، وهذا لا يتعلق بالاعتداء على الوطن طبعاً، فلماذا نشجع العنف وعدم التسامح! - تضمين مناهجنا ما يؤكد تنميط دور المرأة، ومحاربة خروجها الى العمل، وموافقة زوجها واولادها على حصولها على عمل أو جواز سفر، أو حق اجراء عملية جراحية. - تضمين مناهجنا ما ارتبط بسياقات قديمة، لا تأثير لها، ولا صحة لها في حياتنا المعاصرة، وحشر مناهجنا بمعلومات، وربما بمبالغات ثقافية واخلاقية،  لا تفيد شيئاً. - توجبه المنهج والدروس الى فئة دينية دون اخرى، خاصة في مناهج غير التربية الدينية، كمناهج اللغة العربية والتربية الوطنية. - تشجيع وظيفة تسمى المحتسب، وهي وظيفة هددت مجتمعات مجاورة واعاقت تقدمها - الغد.

اوائل - توجيهي .