عمان- لطالما كان الطالب محمد سيف، مبدعا بمادة اللغة الانجليزية، لأنه أحب معلمته كثيرا، وكان يريد دوما أن يثبت لها تفوقه، وأنه متميز عن باقي أقرانه، وأن تدريسها له لم يذهب سدى. محمد، الذي درسته معلمته لثلاثة صفوف متتالية، أصبح محبا للغة الانجليزية، يقرأ بها دوما، وامتد هذا الشيء معه لاحقا، واختار في الجامعة أن يدرس الأدب الإنجليزي، لأن معلمته جعلته يحب هذه اللغة. يتذكر محمد (24 عاما) كيف كان أسلوب معلمته شيقا، وكانت تتبع مع الطلبة أساليب غير مملة، وتعطيهم اختبارات تنمي مداركهم، بدون الاعتماد على مبدأ التلقين فقط، بل كانت تحفز حواسهم، وتشجعهم على القراءة، وحل الواجبات بأسلوب مميز. وفي المقابل، تتذكر الطالبة رندة، كيف كانت “تنفر” من مادة الرياضيات، لأن معلمتها كانت صعبة التعامل وشديدة، لا تتحاور مع الطالبات اللواتي يخفن التحدث معها، وحينما تخطئ أي طالبة تتعرض لعقاب قاس. أسلوب معلمتها جعلها “تكره” تلك المادة، ليستمر معها ذلك لباقي الصفوف، وكانت تنجح بصعوبة بالغة. تقول “لم أحب تلك المعلمة.. كنت أحب باقي المواد، لكن حصة الرياضيات كانت تسبب لي عقدة، وأنتظر اللحظة التي تنتهي بها، وكانت معلمتي تتعمد أن تسمعني كلاما جارحا يقلل مني أمام زميلاتي، مما زاد كرهي لها”. اختصاصيون يؤكدون دوما أهمية أن يحب الطالب معلمه، ويتشوق لأسلوبه، لأن ذلك سيسهم بأن يحب المادة التي يعطيها المعلم، والعكس صحيح، فضلا عن دور المجتمع بإظهار صورة المعلم الإيجابية وقدرته على صناعة أجيال الغد. اختصاصي المناهج وأساليب التدريس، الدكتور عيسى الحسنات، يؤكد أن ذلك مفتاح التعلم، فعملية الإعداد الحقيقي للمعلم لكي يكون ممارساً لهذه المهنة تكون في البداية، وحينما يتجه لهذه المهنة يكون راغبا بها، وليس لأنها وظيفة فقط. ويبين أن كثيرا من المعلمين يبتعدون عن التعامل الإنساني مع الطلبة، لذلك يحتاج المعلم الى تدريب خاص للتفاعل الاجتماعي مع طلبته. ويضيف الحسنات “أن المعلم بحاجة الى نماذج جيدة يحتذي بها، ليكون قادرا على التواصل والتقارب مع الطلبة، علّه يكون قدوة لهم”، مبينا أهمية دور الأسرة عبر تقريب مفهوم المعلم للأبناء، وليس استخدام صورة المعلم بالطريقة السلبية لإخافة الطلبة منه، بل رسم صورة إيجابية عنه بمجتمعه، وبأهمية دوره في صناعة جيل المستقبل. ويجب أن يتم تدريب المعلم على تعزيز العلاقة السليمة مع الطلبة، وتقدير ظروفهم وعدم ربط التعليم بالعلامة فقط، كل هذه الأشياء تجعل التواصل بين المعلم والمتعلم أفضل. وفي ذلك، يذهب الاختصاصي النفسي والتربوي موسى مطارنة الى أن علاقة المعلم بطالبه، ترتبط بالمراحل النمائية والعمرية للطالب، فالطالب يأتي للمدرسة وهو بحاجة للاحتواء، وبالتالي لا بد على المعلم أن يتحلى بالصفات والصور التي تناسب هذه المرحلة العمرية. وعلى المعلم أن يمتلك مهارات وقدرات تزرع الحب والمودة بينه وبين الطالب، وأن يتعامل بأسلوب سلس يزيد من ثقة الطالب بنفسه، هذا كله يزيد من دافعية الطالب وثقته وحبه للقدوم الى المدرسة، مبيناً أنه يجب على المعلم أن يعرف شخصيات الطلاب ويتعامل مع أنماطها المختلفة. ويبين مطارنة أن المعلم هو المسؤول عن صناعة طالب ناجح مبدع، يحفز الصفات الإيجابية لديه، ويبتعد عن مناداته بكلمات هادمة ومؤذية، كون ذلك قد يسبب عقدة للطالب، لافتا الى أن المعلم هو السبب في إعداد الطالب وإكسابه ثقته بنفسه وتحقيق الإبداع لديه. وينبغي أن توفر المدرسة معلمين قادرين على التعامل مع الطالب، بأساليب إيجابية وتحمل الفائدة، لأن المعلم يكمل دور الأسرة بتحقيق التوازن المطلوب في شخصية الطالب. وفي ذلك، يذهب الاستشاري الأسري الأستاذ أحمد عبدالله، الى أن حب الطالب للمعلم يقسم إلى نوعين؛ الأول أن يحب الطالب المعلم لأنه يشبه أحدا ذا قيمة لدى الطالب، والنوع الثاني من الحب وهو ردة فعل لكثير من التصرفات التي يقوم بها المعلم وتتعلق عادة بالفهم النفسي من قبل المعلم لشخصية الطالب والتعامل معه ليس بناء على ما يظهره من سلوكات أكاديمية، إنما يتصرف معه بناء على إيمانه بأن هذا الطالب لديه إبداع وإمكانات مخفية يجب أن تظهر. ويضيف أن سلوك الاحتواء والتفهم الذي يقوم به المعلم أيضا، لا ينفصل عن تعامل المعلم مع الطالب على أنه كائن مستقل شعوريا وانفعاليا وشخصيا وأنه شخص مسؤول له الحرية في القرار وله شخصيته المستقلة.

أوائل - توجيهي أردني