تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مساق مقترح للجامعات

ابراهيم العجلوني

 
 
 
 

 لو كنت مسؤولاً عن مناهج الدراسة الجامعية في أمة العرب, لتقدمّت من فوري بضرورة تقرير مساقات للنظر المدقق في فصول بعينها أو في ابواب معروفة من كتب الاسلاف العظام الذين جعلوا من مدائن الاسلام (بغداد, البصرة, القاهرة, فاس, قرطبة, الكوفة, القيروان, نيسابور, غزنة.. وغيرها) عواصم للنور, امثال الإمام الجويني صاحب «الكافية في الجدل» والامام الغزالي صاحب «القسطاس المستقيم» وأبي حيان التوحيدي صاحب «الامتاع والمؤانسة» والقاضي عبدالجبار المعتزلي صاحب «تثبيت دلائل النبوة» و»النظر والمعارف» من موسوعته الكبرى: المغني في ابواب العدل والتوحيد, وسيف الدين الآمدي صاحب «ابكار الافكار في اصول الدين» وكإبن تيمية في «الرد على المنطقيين» وأبي الريحان البيروني صاحب «تحقيق ما للهند من مقولة», وثمة غيرهم كثيرون.

إن للجويني في شروط الحوار وآداب المتجادلين فصولاً ممتعة نحتاج اليوم ان نتنورها في مهرجان الثرثرة الذي تستغرقنا ليلاً ونهاراً. وإن للامام الغزالي في «القسطاس المستقيم بحثاً شائقاً في المنطق القرآني نحتاج اليوم ان نفيد منه وننسج على منواله. وإن مما اثبته أبو حيان في «الامتاع والمؤانسة» حواراً بينه وبين ابي القاسم المنطقي السجستاني عن اخوان الصفا وما يحاولونه من مزج الدين بالفلسفة, وهو حوار يبتعث الهمم للنظر العميق في مسألة بالغة الاهمية الى هذه الساعة من الزمان. وإن في جزء «النظر والمعارف» من موسوعة المغني للقاضي عبدالجبار ما يقوم انموذجاً في القدرة على اختراع المفاهيم والمصطلحات الكفيلة بمتابعة حركة الفكر, بما يعنيه ذلك من قدرة على تسويغ ذلك والحجاج دونه. وهي مهمة يرى «جيل دولوز» في كتابه: «ما هي الفلسفة» انها المهمة الاولى للفيلسوف الحق. ونحن لا ريب مفتقرون الى ذلك في درسنا الفلسفي المعاصر. كما ان في «تثبيت دلائل النبوة» للقاضي المعتزلي, الذي كان يقول له «الصاحب بن عباد» البويهي الزيدي: والله انك لأعظم من رأته عيناي, ولا احسب انك ترى من هو اعظم منك, فصولاً شائقة في النصرانية والرافضة جديرة بأن تكون موضع اهتمامنا اليوم وكفيلة بتفسير كثير من وقائع تاريخنا القديم والحديث. كما ان في «ابكار الافكار» للآمدي سيف الدين باباً في الإمامة وشروطها تقطع الطريق على كل مدع أو مغاير تغريه جهالة الناس بتنصيب نفسه إماماً. وذلك في آخر المجلد الثالث من هذا الكتاب القيم. وكذلك هو الامر في المجلدين الكبيرين اللذين نذرهما القاضي عبدالجبار لمبحث الإمامة في موسوعة «المغني» المعروفة. وهي ثقافة سياسية ضرورية للمسلم المعاصر ولعلها ترسم آفاقاً للمشاركة الشعبية (على هوى وبصيرة) تفوق ما تطرحه الديمقراطية الغربية (الصورية) بمراحل. وكم نحن مفتقرون الى فهم ذلك والافادة منه. أما في «الرد على المنطقيين» لابن تيمية, فنرى نقضاً لمنطق ارسطو لم تعرفه الحضارة الغربية الا بعد ذلك بقرون. وهو نقد بالغ الاهمية لمن يحسنون قراءته ودرك منطلقاته. أما البيروني ففي كتابه «تحقيق ما للهند من مقولة» ما يؤكد سبق العرب والمسلمين الى «علم الاديان المقارن» فضلاً عما فيه من احاطة موضوعية بعقائد «المختلف» ومدنيته, وبما تتوافق فيه الحضارات وما لا تتوافق. وكل ذلك مما يعوزنا اليوم, أو مما نخبط فيه خبط عشواء على كثرة ما يملأ فضاءنا من ثرثرة لا تهدأ. إن هذه امثلة نجتزئ بها, وهي غيض من فيوض وسواق من بحور. فإن استطعنا ان نلفت الانظار اليها فنعماً هي محاولة. وإن اخفقنا, كان ذلك سبباً الى محاولة اخرى نسأل الله سبحانه لها النجاح - الرأي .

اوائل - توجيهي أردني .