مناهجنا نحن هي التعليم غير المباشر والتعلم المباشر، ومناهجهم هي التعليم المباشر، دون تعلم مباشر أو غير مباشر. هذه مقدمة لمناهج تعليمية حديثة، وضعتها المبدعة فلورا مجدلاوي، عبر سلسلة من قصص الأطفال، تحت اسم "هند وسيف"، وحين قرأت أول قصة، أو "ملحمة تعليمية"، بعنوان زائر غير مرغوب فيه للأطفال ما فوق تسع سنوات، شعرت، وأنا أتقدم في القراءة، أنني أمام عمل غير معهود، وربما غير مسبوق، وهذه أدلتي: 1 - يشير عنوان السلسلة إلى "هند وسيف"، وكأن ذلك تصريح يضع المرأة في مكان غير المعطوف عليه، وهذه نقطة مفرحة لي. 2 - تبدأ القصة بمناهج علمية عن المنظار والمرصد والفلك والنجوم، ثم تنتقل إلى مفاهيم بيئية عن الصحراء والرمال والنمل والشمس والحر وغيرها. 3 - تشير القصة إلى حماية البيئة، وتطرح مفاهيم الثروات داخل الأرض، والصيد الجائر وغير الجائر، والمحميات، والحفاظ على التوازن البيئي. 4 - تقدم القصة أسلوبا في المعرفة، حيث تبرز: "السؤال مفتاح المعرفة" (صفحة 28). وهذا نهج فلسفي واضح في قضيتنا. 5 - تطرح القصة مفهوم احترام القانون، والالتزام بتعليمات السير دون أن تبشر بذلك، بل تنشر الفكرة منسابة عبر تعبير: "وصلنا بالسلامة، لأن قائد السيارة كان يلتزم بتعليمات المرور وشواخصها. (صفحة 34). أو "حين استبدل العجل الصالح بالتالف، سار بهدوء وبطء شديد، لأن العجل "الاحتياط" لا يسمح لنا بتجاوز سرعة معينة (صفحة 67). 6 - ركز على علاقة النمل بسلوك الإنسان، فحين نأكل وتترك بعض السكر على الأرض، يمتليء المنزل بالنمل (صفحة 15). 7 - إن المسؤول عن نظافة المنزل هو كل من يعيش فيه، وليس دورا ًللأم وابنتها، فقد عمل سيف وهند معا في تنظيف المطبخ من النمل. (صفحة 23).  8 - كان البعد العلمي قويا، من خلال حيرة هند في المحافظة على النمل حيا، وعدم اختناقه، إذا أغلقت علبة الأكسجين (صفحة 49).  9 -  لم تفرض القصة حلولا على أحد، بل أظهرت تفكيرا علميا مثل: كان أمامي خيارات أو حلول ( صفحة 51)، حيث فكرت واخترت الخيار الأول ( صفحة 52). 10-    اللغة العربية سليمة تماما، فلا يمكن العثور على أخطاء نحوية أو بنائية، وليس في قصتنا مبالغات لغوية، فاللغة سهلة وواضحة. والآن لماذا قلت مناهجنا؟  - إن الكتاب -القصة- ليس وعظيا ولا توجيهيا، فليس فيه عبارة: يجب عليك، أو إشارة تغري الطفل بسلوك معين، بل قدمت السلوكات الصحيحة، عبر سياقاتها دون إشارة إلى السلوك الصحيح، والسلوك الخاطئ.  - تم حشد مفاهيم متكاملة: أدبية، علمية، بيئية، سياحية وقانونية، دون أن يشعر القارئ بالتمايز بينها، فكل المفاهيم تتكامل لتقدم نموذجا ًسويا. - إن تعلم المفاهيم يتم تلقائيا دون جهد، ودون إلزام، ودون واجبات، ودون استفزاز الأطفال.  ولماذا قلت مناهجهم؟  - لأن مناهجهم تلقينية، تحرص على نقل الحقائق والمعرفة إلى الطلبة، دون أن تعني لديهم شيئا.  - و لأن مناهجهم وعظية، ملزمة، ولا تقدم إلا "عليك بالالتزام بـ". - ولأن مناهجهم متناثرة، ومنفصلة، فلا علاقة بين البيئة والسلوك والأخلاق والعلم، كل يسير في خط ٍمختلف.  - ولأن مناهجهم قسرية إلزامية محددة بعشرات البروتوكولات غير الضرورية.  - ولأن مناهجهم لا تعني شيئا عند الأطفال، فهم لا يهتمون بغير حاجاتهم الأساسية، ومؤلفة القصة أو السلسلة لم تفرض عليهم الذهاب إلى الكتب التراثية، وليس لديها حاجات كحاجات مؤلفي مناهجهم.  و أخيرا، فإن القصة مثال، لما يمكن أن تكون عليه الكتب وطرق التعلم، وعرض الحقائق بأسلوب لا يتطلب جهدا  ضائعا لحفظ مادة تتبخر بعد أيام.  بماذا يتمايز هذا المنهج (قصة المجدلاوي) عن مناهج وزارة التربية؟ من الظلم أن نقارن قصة إبداعية بكتب مدرسية تقليدية، فالكتب تعمل على نقل معلومات وحقائق ومهارات واتجاهات، لكن القصة كأسلوب تدريس، تقدم نموذجا للتواصل، ولكن علينا أن نعرف أن أهداف الكتب المدرسية هي نفسها أهداف القصة. والقصة هي أسلوب لتوصيل الحقائق وتنمية المهارات وبناء الاتجاهات، بل إنها من أفضل الأساليب للتعلم الممتع، القائم على حاجات الطلاب. فالقصة هي إذن: كتاب وأسلوب وفن، بينما الكتاب المدرسي كتاب يحوي معلومات فقط، ولست هنا لأبين أثر الأسلوب القصصي في التأثير، بل إن مناهج الوزارة وكتبها استخدمت تشويها ساذجا للأسلوب القصصي، خاصة في كتب التربية الوطنية، حين تصطنع جلسة شكلية بين والد وأبنائه، يلقنهم فيها المعلومات والحقائق، بأسلوب مباشر جدا، ليس فيه من شروط القصة وشكلها وأسلوبها أي علاقة بالقصة والأسلوب القصصي. إذن، استخدمت الكتب المدرسية: التربية الإسلامية والتربية الوطنية أسلوبا ساذجا في رواية القصة، وبعيدا عن أثر القصة في التعلم، فهو أثر حفلت بالإشادة به كل كتب التدريس التقليدية والحديثة، وسأنتقي هنا بعض أسلوب قصص، لأقارن بين مناهج الوزارة ومناهج التأثير الحديث: أولا: في كتاب التربية الوطنية الصف الرابع الجزء الثاني (صفحة 63) وردت القصة الآتية: في صبيحة يوم الجمعة، فاجأ الأب أسرته برغبته في اصطحابهم في رحلة إلى الشونة، فأيقظ أبناءه: هيا أنهض يا علي! استيقظي يا فاطمة، سنذهب إلى................. فاطمة: لماذا اخترت هذا المكان؟  وتستمر أسئلة الأبناء والأب يلقن الإجابات.  ومثال ثانٍ: في كتاب التربية الإسلامية/ الجزء الثاني للصف السادس (صفحة 80) وردت القصة الآتية: قررت إدارة المدرسة رحلة مدرسية، رغب علي وأحمد في المشاركة، فرفض والدهما بسبب الكلفة. آثر كل منهما أن يعطي فرصة للآخر، وينتظر للمرة القادمة! بم نصف موقفهما؟ في المثال الأول، يلاحظ ما يأتي:  -    قرر الأب أن يفاجئ أسرته برغبته في رحلة (يلاحظ تربويا أن الأب وحده من يقرر، ووحده من ينفذ رغباته).  -    أيقظ الأب أبناءه من النوم، وهو يوم الجمعة -الإجازة الرسمية- دون مراعاة لحاجاتهم إلى النوم.  -    لقن الأب أبناءه كل المعلومات التي يريدها. فالقصة إذن تبني الاتجاهات السلبية الآتية: 1. انفراد الأب في القرار. 2. والرحلة تنفيذ لرغبة الأب وحده. 3.    غياب الأم الكامل. 4. انعدام رأي الأبناء.  والسؤال ماذا لو قالت القصة: "اجتمعت الأسرة مساء، للاتفاق على رحلة...............الخ؟"، لكنه الكتاب وثقافة الوزارة وثقافة المؤلف، وتخلف الفكر التربوي. وفي المثال الثاني، لاحظ غياب التفكير ووجود الاتجاهات التقليدية: -    قررت إدارة المدرسة، وهذا كرم، حيث لم يقولوا قرر المدير، لكن المعروف أن معظم مدارسنا يكون المدير هو الإدارة. -    لم تستشر الإدارة الطلاب والمعلمين والأهالي. -    أحرجت الإدارة الأهالي لعدم قدرتهم على دفع التكاليف العالية. -    اضطر الأخوان، لكي يضحي كل منهما بمشاركته لصالح الآخر، وهذا ما هدفت له القصة!! ولكي تحقق هذا الهدف ضحت بقيم واتجاهات تربوية أكثر أهمية مما قد تحققه القصة. - ولم تبذل الإدارة جهدا لحل مشكلة الأخوين عبر لجان المدرسة ومجالسها. ثانيا: في كتاب التربية الوطنية، الجزء الأول للصف السادس، وردت وحدة كاملة عن المرور، تدرس على مدى شهر ونصف، تناولت: السير الآمن، قواعد المرور، الشواخص المرورية: مفهومها ومدلولها، والإشارات الضوئية. واستخدم الكتاب الأسلوب التقليدي في عرض المعلومات، بشكل مباشر ومقصود ووعظي وإرشادي وتحذيري. بينما تناولت قصة مجدلاوي "زائر غير مرغوب فيه"، في موقعين مختلفين أو ثلاثة، دون أي عنوان للمرور أو أي إرشادات، بل تضمنت القصة المواقف الآتية: -    ما رأيك يا هند أن أرتب زيارة لك ولأخيك؟ (ص9). - ترددت، ثم حسمت أمري، واتفقنا من خلال التقاء الكفين عاليا (ص9). -    قال عمي أتوقع... إن أسعفنا الحظ (ص26). -    أبطأ عمي السير مراعيا تعليمات المرور، المنتصبة على طول الطريق، وكانت السيارة تتهادى على مهل شديد بسبب المنعطف. -    استبدلنا العجل السليم بالمثقوب، ولم يستغرق ذلك وقتا طويلا (ص 45). -    واصلنا السير حين صارت السيارة جاهزة للسير. (ص45) -    إن العجل الذي استبدلناه لا يسمح لنا بتجاوز سرعة معينة، مما أطال وقت العودة. (ص67) لاحظوا الاتجاهات التربوية والمرورية السليمة: مراعاة تعليمات المرور، احترام السرعة المحددة، احترام شواخص المرور، الوقوف في المكان المخصص، احترام وضع السيارة، وأخيرا، عبارات مثل ما رأيك يا هند؟ اتفقنا. أما الأسلوب، فلكم أن تقرروا كيف تقدم المعلومة وكيف تبنى الاتجاهات بعيدا عن كتب الوزارة! فالفرق واضح! لكن لماذا قلت: مناهجنا ومناهجهم؟  إن مناهجنا أردنية، تربوية، أخلاقية، ووضعت بأيدي وعقول مفكرين ومؤلفين محليين، لم تسمع بهم وزارة التربية. ومناهجهم عشوائية -غير تربوية- وبعقول تقليدية، لا تستغني عنها وزارة التربية. أما مدارسنا فهي مدارسهم، أملا أن تلتفتوا إلى القصص المربية. وهنا أشير إلى الطرفة الآتية: أعد باحث استبانة حول الغذاء، وكان سؤاله: ما رأيك في أكل السمك؟ أجاب طلاب مدرسة في دولة جبلية بسؤال ما هو السمك؟ أجاب طلاب مدرسة صومالية بسؤال ما معنى كلمة أكل؟ أما طلاب مدرسة أردنية فقد سألوا ما معنى كلمة رأي؟

 

اوائل - توجيهي أردني