عمان- قيس وسلوى وبلال وغيرهم، طلبة في عدة صفوف تتراوح بين السادس والتاسع الأساسي، لكن مشكلتهم واحدة وتتمثل بالامتحان الشهري في مواد كتب مدرسية مبالغ في حجمها وعددها، لكنهم، وفي خضم ذلك يشيرون أيضا الى يوم دراسي مثقل بسيل من الواجبات التي يكلفون بها، ولسان حال كل منهم يقول "من أين أبدأ؟". وفي مواجهة هذا التحدي، يؤكد قيس مثلما يؤكد زملاء له أنهم أمام خيارين لا ثالث لهما: "إما التركيز على مادة الامتحان فقط وعلى حساب واجبات المواد اليومية، أو توزيع الوقت على الطرفين وهو ما يفضي الى نتيجة  (مجهولة) وتحصيل دراسي ضعيف".  أما الطالبة سلوى، فتقف حائرة مكتوفة الأيدي، وهي ترى موادها الدراسية تتراكم عليها، لتقول "امتحانات كثيرة، وواجبات أكثر، والدروس التي تعطى لنا خلال الامتحانات تتراكم علينا، وما هي إلا أيام لنجد نفسنا أمام امتحانات جديدة سيكون استعدادنا لها ضعيفا، لأن الوقت لا يكفي لكل هذا الزخم". "عمار الدوايمة"، ولي أمر الطالب بلال في الصف التاسع، يقول "خلال 16 يوما هي فترة الامتحان، لم يفتح ابني كتابا سوى كتاب الامتحان المقرر عليه، فيما مواد الكتب الأخرى تتراكم، وهو ما يصيبه بإحباط شديد.. الكتب عددها كبير، ولا تتماشى مع مفهوم الإصلاح التعليمي". وهذا أيضا ما ذهبت إليه مريم العسود، والدة طالب في الصف الثامن، قائلة "في ظل ذلك، كيف يمكن أن تنجح وزارة التربية والتعليم في تطوير التعليم.. الضغط كبير على الطلبة نتيجة عدد الكتب الدراسية"، موضحة أنه "لا سبيل لتنمية مهارات وقدرات ابني، فهو منشغل دوما في الحفظ البصم وحل الواجبات". وفي المقابل، وبحسب مؤشرات تربوية، يجمع خبراء تربويون على أن طول فترة الامتحانات نتيجة العدد الكبير للكتب المدرسية "يؤثر سلبا على تحصيل الطالب العلمي وقدرته على فهم وتحليل المنهاج، ما يضطره إلى اللجوء للحفظ الصم دون استيعاب ما يدرسه". وأوضح هؤلاء في أحاديث لـ "الغد"، ان "الواجبات المنزلية يجب أن لا تتجاوز لطلبة الصفوف الثلاثة الأولى عشرين دقيقة في كل يوم دراسي، وأن لا تتجاوز لطلبة الصفوف الرابع والخامس والسادس اربعين دقيقة يوميا، وأن لا تزيد على ساعتين يوميا للطلبة من السابع فما فوق". وزير التربية والتعليم الأسبق فايز السعودي يرى أن "لهذه المسألة بعدين: الاول يتعلق بزخم الكتب المدرسية التي تستغرق وقت الطالب بشكل كامل، ففي بعض الأحيان تكون الحصة الصفية غير كافية للانتهاء من محتوى مادة درس ما". وأكد أن على الوزارة أن تسعى لـ"إعداد مناهج تركز على تنمية القدرات العقلية للطلبة لا تزويدهم بالمعرفة والمعلومات فقط، وفي هذه الحالة يصبح هناك تركيز على المهارات، وبعض المفاهيم وليس جميع المفاهيم"، موضحا أن الطالب في ظل الوضع الحالي "لا يستطيع المواءمة بين امتحان مادة وباقي المواد الدراسية لكثافتها وكثرتها". أما البعد الثاني، بحسب السعودي، فيتعلق بالعملية الدراسية، فـ"طلبتنا، وللأسف الشديد، لا يتابعون دراستهم قبل شرحها من قبل المعلم ولا بعد الشرح، لأنهم منشغلون بالحفظ وليسوا معنيين بالفهم لحاجته الى وقت كافٍ لترسيخه". وأكد الأهمية البالغة لـ "تنظيم القراءة وفقا للنمط الدراسي للطالب والوقت المناسب للدراسة، بالإضافة الى تنظيم البرنامج الدراسي من خلال التحضير المسبق قبل الدرس وبعده والانتباه الجيد في الحصة"، بحيث "نصل ما بين الامتحان كوسيلة تقويمية وبين كونه وسيلة تدريسية ويصبح الامتحان جزءا من المادة الدراسية وليس جزءا مضافا للدراسة". وبحسب دراسة أميركية بعنوان "اختلافات وطنية وتشابهات عالمية"، فإن الدول التي يحقق طلبتها أعلى الدرجات في الامتحانات التحصيلية مثل الدانمارك واليابان والتشيك "يعطي المعلمون فيها الطلبة واجبات قليلة جداً، في حين أن الدول التي يحقق طلبتها أسوأ درجات في امتحاناتهم التحصيلية، مثل إيران واليونان وتايلاند، يحمّل معلموها تلاميذهم الكثير من الواجبات المدرسية". بدوره، قال الخبير التربوي ذوقان عبيدات ان "الطالب انسان بالدرجة الاولى، وعلينا ان نحترم انسانيته ونحترم حاجاته وحقوقه، فمن حقه ان يستمتع بوقته وينمي هواياته ويدير علاقاته وصداقاته مع الآخرين". واضاف ان "نمو الطالب كإنسان يختلف عن نمو الانسان كطالب، فالطالب الانسان يمتلك وقته ويديره كيف يشاء، بعكس الانسان الطالب الذي يكرس وقته لواجباته وامتحاناته وحياته المدرسية"، موضحا ان "الطالب الانسان يعيش حياته خارج المدرسة كإنسان حر وليس كطالب مثقل بواجبات وامتحانات". وأشار عبيدات الى أن "العامل لا يعمل أكثر من 35 ساعة اسبوعيا، فيما يقضي الطالب أكثر من ذلك في المدرسة، بل إن المدرسة تلاحقه في بيته بامتحانات وواجبات تزيد على ساعات عمل أي عامل ناضج". وشدد على أن من حق الطالب ممارسة ما يحتاج اليه وان يختار حياته خارج المدرسة دون ان تفرض عليه حاجات يدرسها، موضحا ان "الطلبة بشر ولهم متطلبات جسمية وحركية وعاطفية لا يجوز حرمانهم من تنميتها". من ناحيته، قال استاذ علم النفس والإرشاد النفسي المساعد في جامعة فیلادلفیا الدكتور عدنان الطوباسي إن "التقدم التكنولوجي الذي يُظل حياتنا اصبح يحتم على وزارة التربية والتعليم ان تجد طرقا جديدة للتعامل مع الطالب خاصة فيما يتعلق بكتبه وامتحاناته وواجباته الدراسية". وبين ان "الكتب بأثقالها وأوزانها وآثارها بدأت تؤرق الطالب صحيا ونفسيا، بالاضافة الى ضغط الامتحانات والواجبات الدراسية المتواصلة، واحيانا المتزامنة مع بعضها البعض.. كل ذلك يرهق الطلبة ويوترهم ويقلق مسيرتهم المدرسية ويؤثر على ادائهم وتحصيلهم وتركيزهم ويولد لدى البعض منهم النكد وعدم الاكتراث وكره المدرسة وواجباتها". وأكد أنه آن الأوان لـ"نخفف على الطلبة من خلال توجيههم لإحضار الكتب التي تطلب منهم فقط في اليوم الدراسي وعدم حملها كلها، وكذلك لا بد من برمجة الواجبات والمهام الدراسية مع نهاية الاسبوع وأن لا تكون مواعيدها متزامنة مع مواعيد الامتحانات". واضاف ان على الطالب ايضا ان يدرك اهمية كل ذلك، وأن "يعد العدة كي يقوم بواجباته الدراسية على خير وجه، وان تكون لديه الدافعية للإنجاز والمثابرة واتقان العمل وتميزه، وعليه وبالتعاون مع مدرسيه المساهمة بالتخطيط والبرمجة لدراسته بما يعود عليه بالفائدة، واستثمار الوقت بصورة علمية وموضوعية". ودعا الطوباسي "أولياء الامور الى التعاون مع ابنائهم ومعلميهم لتمضي مسيرة التربية والتعليم وفق اسس سلمية ونهج علمي من اجل منظومة تربوية متطورة تظللها الصحة النفسية وراحة البال". أم هيثم، الموظفة في أحد البنوك تقول ان "لديها ابنتين في الصف السابع والرابع، وتعود من عملها الساعة الخامسة مساء لتبدأ فترة التدريس والتسميع خصوصا مع بدء الامتحانات الشهرية". وتضيف "هذه الفترة التي عادة ما تتحول الى نكد وصراخ ومعاناة في ظل وجود العديد من الواجبات المدرسية التي يجب ان تنجز"، مبينة انها في كثير من الاحيان "تضطر الى حل واجبات ابنتيها عوضا عنهما لأنهما استنفدتا كل طاقتهما في دراسة الامتحان، وأصبحتا منهكتين وغير قادرتين على متابعة حل الواجبات المدرسية لاسيما وأنهما تستيقظان مبكرا للحاق بباص المدرسة". وتعلم أم هيثم ان هذا الامر غير صحيح، "لكنني احزن عليهم خصوصا وان الساعات التي تسبق النوم تخصص للدراسة وحل الواجبات وليس لقضاء الوقت معا باللعب والقراءة الممتعة"، مشيرة الى ان الكثير من الطالبات "يلجأن الى حل الواجبات في الصباح الباكر قبل الطابور الصباحي أو خلال فسحة الـ5 دقائق بين الحصص، وأحيانا يتناقلن دفاتر اجابات بعضهن البعض". وتوافقها بالرأي، ختام حسام التي تقول ان ابنتها في الصف السادس "تحب الفروسية والقراءة والتطريز وحياكة الملابس لكنها تُحرم من كل هذه الهوايات خلال الايام المدرسية لأن ما تكلف به من واجبات يومية وامتحانات لا يبقي لها وقتا لممارسة أي هواية". وتضيف، ان ابنتها "غالبا ما تشتكي وتقول: مدرسة في البيت ومدرسة صباحا هل سأقضي عمري هكذا لحين التخرج من الثانوية العامة؟؟.. اين الوقت المخصص لي كي أقرأ ما أحب أو الذهاب لنادي الفروسية أو اللعب مع صديقاتي في العمارة؟". وتتساءل حسام "كيف لطالب يقضي ما يقارب من ست الى سبع ساعات يوميا في المدرسة أن يعود بعد ذلك لقضاء 4 - 5 ساعات دراسة يوميا في المنزل.. فكيف سينمون مداركهم ومواهبهم إذا بقوا محصورين داخل الكتاب المدرسي؟". أستاذ تربية نيوزيلندي (جون هاتي)، قام بجمع نتائج أكثر من 50 ألف دراسة شملت ما يزيد على 80 مليون تلميذ، في محاولة للتعرف على أفضل الطرق التعليمية التي تحقق أقصى استفادة للتلاميذ. وخلص هاتي وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "دي فيلت" الألمانية في وقت سابق، إلى "وجود مجموعة من العوامل تؤدي لنجاح العملية التعليمية، من بينها وجود علاقة جيدة بين الأستاذ والتلميذ، بالإضافة إلى اتباع تقنيات تعليمية معينة منها القراءة المتكررة، أما الواجبات المدرسية فجاءت في ذيل القائمة، ورأى أنها تساعد التلميذ في العملية التعليمية بنسبة ضئيلة للغاية". وأظهرت نتائج هذه الدراسات أن الطلبة الأكبر عمراً والأعلى في المستوى الدراسي هم الأكثر استفادة من الواجبات المنزلية مقارنة بتلاميذ المرحلة الابتدائية والطلبة ضعاف المستوى.