موقع الاوائل - 30 ألف وثيقة تختزن الذاكرة الأردنية في ثانوية الكرك

حيدر المجالي - ما تزال حكاية بقرة (متري الزريقات) التي إتُهمت بالسرقة، فحٌكم عليها بغرامة؛ حديث المجالس الكركية، حين يتم التطرق لأقدم مدرسة بُنيت في العهد العثماني عام 1837، رغم مرور 80 عاماً على وقوع الحادثة. فصول حكاية البقرة شهدتها مدرسة الكرك العتيقة، التي تربض على سفح جبل، لتؤكد للأجيال على جودة التعليم والحرص على المال العام، فقد خرّجت قيادات فكرية وحزبية ونقابية، منذ بنائها قبل عقدين؛ وبعض طلبتها القدامى منهم: النائب السابق عيسى مدانات، يعتبرونها منارة شامخة في سماء الوطن، لتشهد على منظومتنا التعليمية، التي رفدت الدولة الأردنية بقامات وطنية، لها إسهامات واضحة، في بناء الدولة الحديثة. جاء قرار متصرف الكرك في إمارة شرق الأردن عام 1937 بحق بقرة (الزريقات) مُفاجئاً، حين تم تغريمه 50 مليماً، لإتهام بقرته بسرقة حشائش مدرسة الكرك التاريخية والتهامها، حيث إستند قرار المجلس البلدي حينذاك، للمادة الثانية من قانون منع سرقة الحيوان. تلك القصة الغريبة أشارت لها وثيقة رسمية، جاءت رداً مباشراً على شكوى تقدم بها مدير المدرسة حين ذاك، المرحوم صيّاح الروسان، فقد أدان القرار ما قام به (الحيوان)، فاعتبره معتدٍيا على موجودات المدرسة، وبالتالي فإن مسؤولية الضرر تقع على صاحبها، وعليه تحمل أعباء هذا الخرق الواضح للقانون. تحمل هذه الواقعة معاني جميلة، تعكس مدى الحرص على بيئة المدرسة، والحفاظ على ممتلكاتها، وعدم الإعتداء عليها، كما يقول مديرها الحالي إلى (الرأي) أحمد صلاح المحادين؛ كما تعني تقدير أصحاب القرار لهيبة المدرسة، في ذلك الزمن الجميل. يشير المحادين المدير الخامس والثلاثين للمدرسة، إلى أنها كانت صرحاً علمياً، خرّجت قادة وزعماء وعلماء، كانت لهم بصمات واضحة في تاريخ الأردن القديم والحديث، منهم رؤساء حكومات، مثل؛ بهجت التلهوني، ومضر بدران، وعبد السلام المجالي، ورئيس الديوان الملكي الأسبق أحمد الطراونة وحابس المجالي، إضافة لسياسيين ومفكرين وفنانين، مثل؛ يعقوب الزيادين، وعلي السحيمات، وبشير خير، والفنان توفيق النمري. لا يعتبر المحادين أن المدرسة التاريخية، إكتسبت أهمية أو خصوصية عن باقي المدارس الحكومية الأخرى، لأنها بإعتقاده، المدرسة الوحيدة التي تخدم قرى منطقة سيل الكرك. لكنه أشار إلى بعض التعديلات الإنشائية على المدرسة، من أعمال ترميم، وتجميل، لم تؤثر على بنيتها المعمارية القديمة، في حين يستذكر أن المنظومة التعليمية (زمان) كانت تحظى برعاية وعناية من الحكومة، فكانت حسب ما يقول المحادين: تُبنى على أساس «المسؤولية والمساءلة» وكان نظام التعليم فيها قويا جداً، نظرا للرقابة الصارمة والمباشرة التي كانت توليها وزارة المعارف آنذاك. لم تكن وثيقة البقرة، الوحيدة في سجلات المدرسة العريقة، لكن ثمة وثائق أخرى، أهمها وثيقة (المكالمة الهاتفية) فقد تضمنت إستيضاحا لوزير المعارف من مدير المدرسة حينذاك، الأديب والقاص المعروف محمود سيف الدين الإيراني، حول مكالمة هاتفية خاصّة بلغت قيمتها (80) فلساً عام 1951. ذلك الزمن كانت المساءلة صارمة، والحفاظ على المال العام أمراً مقدساً، فكان وزير المعارف يقدم إستيضاحات، عن كل مليم صُرف بغير وجه حق، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل، ويُلزم من أهدر مالاً عاماً بغرامة. ومن الطرائف التي يذكرها طلبة ومعلمون عايشوا المدرسة في حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، طلب شراء (2 كيلو برتقال) لتقديمها ضيافة لزيارة مهمة للمدرسة، لكن الزيارة لم تتم في موعدها، فكان الإستيضاح من وزير المعارف أين ذهب البرتقال، فالجواب من المدير؛ أنه لم يعد صالحاً للإستهلاك، فتم إتلافه بالطرق الرّسمية. كان عبق المدرسة يُعطر سماء الأردن لسمعتها، وعراقتها، وطراز بنائها، حيث كانت محجاً لطلبة المملكة من خارج محافظة الكرك، أما اليوم فلم يعُد البريق هو ذاك البريق، حسب محمد الحباشنة الذي واكب حقبة زمنية في المدرسة، كما أنها لا تختلف عن أي مدرسة حكومية. أكثر من ثلاثين الف وثيقة، تختزنها الذاكرة الأردنية خلال عهد الإمارة، تؤرخ لحقبة زمنية من تاريخ الأردن، وتشير إلى نظام تربوي متطور قل مثيله في المنطقة العربية في فترة بناء الدولة الاردنية، وتبرز تلك الوثائق كيفية وضع العلامات الفصلية والشهادات المدرسية وتعليمات النجاح والاكمال والرسوب وأسئلة الامتحانات بدقة وشفافية تراعي مستويات الطلبة التحصيلية، اضافة إلى أنظمة وتعليمات اللباس والضبط المدرسي، والأنظمة المالية الصارمة التي تؤكد الحفاظ على المال العام - الرأي .

اوائل - توجيهي .