قراءة تحليلة لخطاب جلالة الملكة

استطاعت - جلالة الملكة رانيا العبدالله -  في خطاب –حفل إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية -  أن تقدم توصيفا دقيقاً لمشكلة التعليم بالاردن ؛ وأن تتقدم بجرأةٍ بالغةٍ نحوَ اقتراح الحلولِ ؛ وإطلاق هدفٍ ورؤيةٍ استراتيجيةٍ لنهضة شاملة للتعليم ؛ ومن خلال "قرائتي" لمضمون الخطاب ؛ فإنني قرأت ما بين سطوره : نظاماً وأساساً علميا لحل المشكلات ؛ حيث بدأ الخطاب بمقدمة ؛ ثم تلاها عرضاً لمتطلبات "توصيف المشكلة" ؛ وصولا لتحديدها بشكل يفّرق بين (الاعراض والأسباب الحقيقية)  للوصول لمرحلة تقديم حلول واقعية عملية ؛ وما سبق يمكننا الاعتماد عليه أخيراً في صياغة هدف استراتيجي للتعليم بالأردن ؛ وفيما يلي تحليل يبين نظاماً يمكن قرائته بين ثنايا الّسطور :

مقدمة الخطاب : اعتمدت -جلالة الملكة- في مقدمة الخطاب على اهمية معرفة الأساليب التي تحقق الفعالية والكفاءة في التعليم ؛ وتحميل الجميع مسؤولية التعليم ؛ كونه الاستثمار الأهم والأولوية القصوى، تضمنت المقدمة العناصر التالية :

      1. الاختلاف ليس على اهمية التعليم بل على كيفية التعامل معه

    2. لا داعي لتقاذف اللوم فالتعليم مسؤولية الجميع

    3. الموهبة أغلى سلعة ؛ والاستثمار بالتعليم و ( المعرفة والابتكار والابداع ) من اهم مقومات النجاح

جاء الخطاب صادماً بنحو ايجابيّ أسهم في غربلة الافكار الراكدة ؛ وجريئًا في طرح وقائعَ قد يتحرج البعض من ذكرها أو يتجنب البعض الاعتراف بها .

وفيما يلي المرحلة الأولى في المنظومة التي بُني عليها الخطاب حسب قرائتي :

أولا : متطلبات وصف المشكلة : حيث بنيت هذا المرحلة على العناصر التالية :

  1. النيّة الجادّة والاهتمام بالتعليم كأولويةْ : من خلال التركيز على المواجهة ؛ حيث بين جلالتها أن  (أقصر السبل لحل المشاكل: المواجهة.. لا التجاهل) واضافت أيضاً ( يجب أن يكون التعليم أولوية وطنية ومطلب شعبي)
  2. الواقعية الإيجابية : حيث ركزت "جلالتها" على واقعية المشكلة من خلال قولها  ( واقعنا صعب ومحيطنا أصعب) وأضافت اللمسة الإيجابية  حينما أكدت على  ( امكانية التغيير من خلال استخراج الكنز الحقيقي : عقول أبنائنا)
  3. تقديم احصائيات حقيقية وصادمة حول عناصر العملية التربوية : أ. الطالب  ب. المعلم  ج. المدرسة ؛ فقد قدم الخطاب احصائيات حول مدى تراجع التعليم الاساسي والثانوي ؛ وغياب تكنولوجيا التعليم عن بعض المدارس ؛ مع وجود نسب كبيرة من المعلمين دُفعت للتعليم لغياب البديل ؛ دون حصولها على التدريب والتأهيل الكافي .

 

ثانيا : تحديد المشكلة

من خلال التوصيف السابق ؛ يمكننا صياغة المشكلة من فحوى الخطاب كالتالي :

المشكلة :  تراجع مستوى التعليم الأردني في مختلف المستويات خلال السنوات الماضية

هكذا استطاعت جلالة الملكة الإنتقال بنا من ( تقييم الوضع الحالي ) لاستشراف (الوضع المستهدف) ؛ حينما تطرقت لوجود خطة استراتيجية تمتد لمدة عشر سنوات تشمل جميع عناصر العملية التربوية .

ثالثا : تحديد الهدف : يمكننا استناج هدف استراتيجي من خطاب جلالة الملكة كالتالي :

الهدف : الوصول لنهضة شاملة في مجال التعليم الأردني تضعه بين المراكز العشر الأولى خلال عشر سنوات 2025 تسهم في تخريج طلبة يمتلكون القدرات والمهارات اللازمة لبناء مستقبل أفضل لهم ولأسرهم .

اذن ؛ انتقل الخطاب بنا من مرحلة التوصيف النظري لمرحلة الحلول العملية  ؛ حيث تمّ صياغة هدف استراتيجي ؛ ورؤيا طموحة مستقبلية .

 

 

رابعا  : حلول مقترحة :

سعت "جلالتها" من خلال الخطاب لتقديم اقتراحات متنوعة وشاملة لجميع عناصر العملية التربوية ؛ وفيما يلي لأهم الحلول المقترحة التي يمكن استنتاجها من محتوى الخطاب :

  1. مراجعة القضايا الهيكيلة :

إعادة النظر في القضايا الهيكلية كإدارة التعليم + وضع سياسات تجلب الكفاءات + المسائلة وتحمل مسؤولية ضعف النتائج

  1. الدعم اللوجستي للمدارس :

تزويد المدارس بالتكنولوجيا وأدوات التعليم الالكتروني (  استكمال شبكة الالياف الضوئية ، دعم التعليم الالكتروني )

ج. تطوير وتدريب المعلمين من خلال :

   1 . إنشاء مركز متخصص بأحدث الأساليب التربوية

   2 . تأهيل وتدريب المعلمين من خلال كلية متخصصة بالتشارك مع (الوزارة ، الجامعة الأردنية ، مركز الملكة رانيا لتدريب المعلمين)

   3. مهننة التعليم : حيث تصبح عملية التعليم مهنة ؛ يحصل المعلم على رخصة مزاولة المهنة في حال التزامه بالشروط والمعايير اللازمة لذلك

   4. تقدير المعلم وصون كرامته

د. تطوير المناهج واثرائها

هـ. دعم النقد البناء والاستفادة من تجارب الآخرين من خلال :

    1. دعم النقد البناء من قبل الإعلاميين التربويين

    2. الاستفادة من التجارب الأجنبية

    3. كسر القوالب الفكرية والمحددات التقليدية

و. رفع موازنة التعليم : و رفع نصيب موازنة التطوير والتدريب من موازنة وزارة التربية والتعليم

يمكن القول ؛ بأن هذا الخطاب يشكل بوصلة وخطة عمل ؛ تسهم في الوصول للنتائج المرجوّة ؛ في حالة تم التأكد من الحفاظ على مستوى متقدم من الجودة في جانب التنفيذ بشكل يماثل جودة التخطيط ؛ وأن يتم العمل على تنفيذ الخطة الاستراتيجية بمعزل عن شخص المسؤول ؛ فالأهداف تحدد لتبقى وتنفذ بغض النظر عن هوية المسؤولين ؛ ونذكر بأن المسؤولية يتحملها الجميع كون الحديث بدأ وانتهى عن التعليم الذي يجب أن يكون أولوية قصوى لجميع الأردنيين .

حسام عواد