منذر الصوراني - لا يختلف اثنان على أن المؤسسات التعليمية الخاصة في الأردن، في إطارها التربوي التعليمي، بأنواعه ومستوياته، تشكل الداعم الرئيس للتعليم الحكومي؛ وأن من أولويات اهتماماتها الحفاظ على تربية جيل يتمتع بقدرات عقلية تصنع مجتمع المعرفة. يعتبر ملف التعليم الخاص أحد أهم القضايا الشائكة المفروض أن تتبناها وزارة التربية والتعليم، بحكمة وعقلانية تضعان حدا لسنوات عديدة من ردات الفعل التي اكتوى بمشاكلها ونتائجها الكثيرون. وهو ملف لا يخص وزارة التربية والتعليم وحدها، وإنما أيضا المؤسسات التعليمية الخاصة، لما لها من ارتباطات متعددة ووجود قوي مع المجتمع بكل فئاته. وإن كان هناك توجه حقيقي لاحتواء الأزمات المتعددة والمتكررة بين وزارة التربية والتعليم وأولياء الأمور والقطاع التعليمي الخاص، فلا بد من تعزيز وبناء استراتيجيات فعالة وبناءة، بأسلوب تشاركي حقيقي مع الأطراف كافة ومختلف الجهات التي لها مساس بهذا الملف الذي يتطلب جهودا كبيرة مستمرة تراكمية غير قابلة للإلغاء رغبة لتوجهات البعض؛ فالمؤسسية هي أن يلتزم المسؤول متابعة كل الجهود التي سبقه إليها من كان قبله، والاستناد إليها والاستفادة منها والإضافة عليها، ومعالجة الأمور بترو واتزان، والأخذ برأي أصحاب الخبرة والتجربة، لا إلغاءها أو إقصاءها أوتهميشها. إن للمدارس الخاصة خصوصية مميزة، ولها فضل كبير على المجتمع وخدمته في أقسى الظروف، لا لأنها تسهم في تعزيز ودعم التعليم الحكومي، ولا لأنها استثمار لأموال في مشاريع تربوية تعليمية، ولا لعدد العاملين فيها وقدرتها على تعزيز الاقتصاد الوطني، بل لكونها جزءا من مشروع وطني ارتبط بشرائح المجتمع كافة، وقدمت له خدمات، نتائجها مميزة واضحة للعيان منذ البداية وحتى النهاية. لا يريد أحد في هذا الوطن الغالي أن تكون العلاقة بين المؤسسات التعليمية الخاصة ووزارة التربية والتعليم قائمة على عدم قبول الآخر، ولا أن تأخذ بعدا أو منحى مغايرين تماما لضرورة التفاهم المشترك لإيجاد حلول للمشكلات العالقة القديمة والمستجدة التي وضعت بعض القائمين على المؤسسات التعليمية الخاصة أمام خيارين؛ إما الالتزام أو حبل المشنقة. إن صدور نظام تأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة والأجنبية للعام 2015، جاء مخالفا للتفاهمات والتوصيات التي أفرزتها الاجتماعات المتكررة مع نقابة أصحاب المدارس الخاصة، فلم يعكس النظام الجديد في محتواه أي تطوير على روح العملية التربوية والتعليمية، بل ركز على هوامش جانبية من أبنية وساحات وأعمدة وفرض الرسوم وغيرها. وكان من الأفضل أن تتريث وزارة التربية والتعليم في خطوتها كي لا يترتب على النظام أي ملاحظات أو تحفظات  تخلط الأوراق من جديد. تمرير نظام التأسيس بهذه السرعة إلى ديوان الرأي والتشريع يعطي انطباعا بعدم التشاركية؛ بمعنى آخر لو كان لدى أصحاب القرار رؤية شمولية لتنظيم قطاع التعليم الخاص، لما وجد القائمون على المدارس الخاصة أنفسهم أمام نظام أعادهم إلى مربع الفوضى والشكوى، بإضافة أعباء مالية عليهم رغم تعهدات صاحب القرار بأن النظام الجديد تخلو نصوصه من الأمور المالية. ورغم أن وزارة التربية والتعليم تجهد في استقرار التعليم الحكومي، إلا أنه في ضوء ضعف إمكاناتها لتطوير مدارسها وصيانتها، مع تضخم أعداد طلبتها التي فاقت الطاقة الاستيعابية المحددة في الأنظمة والتعليمات، فقد أفرز ذلك باعتراف أصحاب القرار، ما يزيد على مائة ألف طالب وطالبة لا يكتبون ولا يقرأون. وما دام التعليم العام بشقيه الحكومي والخاص يخضع للقوانين والأنظمة والتشريعات على حد سواء، فالأولى أن تكون الجهة المشرفة على التعليم العام قدوة في الالتزام، ومبادرة إلى تطبيق قوانينها وأنظمتها، فيما هي نقطة ضعف تسجل عليها أن تجيز لنفسها ما لا تجيزه لغيرها. المفترض أن تتعامل جهة الاختصاص مع المؤسسات التعليمية الخاصة بإيجابية، عبر تقديم العون -أقله المعنوي- لها، للمجهود الكبير الذي بذلته هذه المؤسسات طيلة سنوات عملها. وقد كان المسؤولون في الحكومات السابقة المتعاقبة يلحون ويشجعون التربويين على فتح المدارس الخاصة، وقدموا الدعم المالي والمعنوي لهم لمساعدتهم، وليسهموا في تخفيف الضغط عن التعليم الحكومي نتيجة لظروف 1948 و1967، وما تلاهما من هجرات وتبعات. الأصل أن لا يخلو النظام من هدف تحقيق جودة التعليم وتميزه، وأن لا يبتعد عن مصلحة الطالب وتطوير المنهاج وتأهيل المعلم، وأن يقترب بحده الأدنى من دعم وتعزيز العملية التعليمية الخاصه وقدرات القائمين عليها، لا أن يكون وسيلة يقصد به التضييق على المستثمرين في قطاع قدم القائمون عليه الوقت والجهد والمال. إن عدم ثبات المؤسسية وتعدد القيادات التنفيذية، عوامل أسهمت في تشتيت أرزاق الناس ودفعت البعض منهم إلى هجرات قسرية إلى خارج الأردن. ولا بد هنا من إعادة النظر في نظام تأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة والأجنبية للعام 2015، والذى بدأ تطبيقه بأثر رجعي على مؤسسات مرخصة منذ عشرات السنين، لكنها الآن عاجزة عن تجديد تراخيصها منذ 1 /6 /2015. كما لا بد من الحرص على دعم الاستراتيجية الوطنية للتعليم الخاص وقياداتها والعاملين فيها واستثمارتها الهادفة الى إنشاء حالة تعليمية تعلمية تربوية تكون محركا أساسيا في دفع الأردن باتجاه النهوض إلى مراتب مميزة، استجابة لتوجهات القيادة الهاشمية نحو استراتيجية وطنية للتعليم ونحو مجتمع المعرفة بمضاعفة الكتلة البشرية المتعلمة بمستوياتها وتنوعاتها - الغد .