عمان - في مناهجنا.. ما يزال هنالك دروس لم تعد تتناسب ومتطلبات العصر الذي يعيشه الطالب. أمثلة عديدة في مختلف المناهج قد فات عصرها وربما “انقرضت” لكن الطلبة مستمرون في دراستها رغم انها قد لا تفيدهم في شيء بمستقبلهم العلمي ولا تطور من مهاراتهم الذهنية والعقلية! خبراء طالبوا مرارا وتكرارا أن يكون المحتوى الموجه للطالب يتناسب والتطور المستمر الذي يشهده العالم أجمع ويتغير مثل سرعة البرق، لكي يكون مواكبا لأحدث التغيرات في العالم الرقمي الجديد، وأن تساهم التغييرات في تحسين القدرات والمهارات لدى الاطفال، وتجعلهم على تماس مباشر مع واقعهم. الأمثلة كثيرة حول الموضوع. والمناهج فيها بعض المعلومات والمعادلات التي عفا عليها الزمن، ولم تعد تصلح للواقع الحالي، ومن بين هذه الأمثلة في مادة الفيزياء لطلبة التوجيهي “أنبوب أشعة المهبط له تطبيق شاشة التلفاز القديمة التي لم يعد لها وجود بعد انتشار الشاشات الحديثة من “LED، lcd، plasma”، كذلك في نفس مادة الفيزياء المواسعات الكهربائية والتي تعتبر موضوعا قديما بعيدا كل البعد عن التطبيقات العصرية. أيضاً، في مادة الحاسوب للتوجيهي لغة البرمجة التي تعد قديمة جداً ويتم صياغة أسئلة عليها غير منطقية على الاطلاق مثل “كم عدد الفواصل المنقوطة التي ستظهر على الشاشة السوداء عند كتابة الكود التالي ..؟”. مع غياب لتقنيات العصر الحديث من أندرويد ولغات برمجة حديثة وسوشال ميديا. وكانت جلالة الملكة رانيا العبدالله قد قالت في حفل إطلاق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، “نحن نريد تعليما نوعيا لأبنائنا، فلنبدأ من حيث نطمح لأن نصل، نريد أن يعمل وينافس أبناؤنا في القرن الواحد والعشرين، فلنزود مدارسنا بالتكنولوجيا وأدوات التعليم الإلكتروني ليصبح طلابنا طلقاء بلغة العصر”. وأضافت جلالتها “نريد مناهج تثري التعليم وتفتح آفاق المعرفة، فلننشئ مركزا مختصا بمتابعة أحدث الأساليب التربوية وتطوير المناهج وتحديثها. وهو نموذج تبنته كثير من الدول المتقدمة في التحصيل العلمي”. وركزت جلالتها على التغييرالأهم وهو أن نكسر القوالب الفكرية والمحددات التقليدية التي جعلت تعليمنا جامدا لا حوار ولا حياة تنبض فيه.. ثابتا تتغير الأزمان وتكبر طموحاتنا وهو لا يجاريهم. فأصعب العقبات نتخطاها بتحرير أنفسنا من الأسوار العالية التي بنيناها داخلنا والتي تحجب رؤيتنا عما يمكن لنا أن نكون . مدير موقع “الأوائل” الاستاذ حسام عواد يبين أن المعايير غير واضحة في نقل الدروس بين الصفوف المتتالية كالصف العاشر والأول ثانوي والتوجيهي، فتارة يتم رفع الدرس للصف اللاحق وبعدها تتم إعادته لصف سابق دون وجود مبرر واضح أو معلن لمجتمع المعلمين، كما أن هناك الكثير من الدروس التي أصبحت قديمة أو تتضمن تطبيقات لم يتم تحديثها بتطبيقات أحدث، مثل ما ذكر في الأمثلة السابقة. ويضيف أن هناك تناقضا بين المعلومة ذاتها في مختلف المواد فتكون نفس المعلومة تختلف بين مواد الثقافة الإسلامية وتاريخ الأردن ومهارات الاتصال. الى جانب التباين والتناقض بين الصور وبين النصوص الشارحة لهذه الصور، ومثال على ذلك درس المناعة والهرمونات في مادة العلوم الحياتية لصف التوجيهي. وبرأي عواد، يمكن تخطي هذه الأخطاء من خلال تنقيح المنهاج وتجريبها من قبل معلمين متخصصين قبل اعتمادها رسمياً، وأن يتم تشكيل لجنة مؤلفين تتضمن معلمين من الميدان، وأن يتم مراعاة التكامل الأفقي مع المواد الأخرى لضمان وحدة المعلومة ودقتها، ومراعاة تضمين المواد العلمية بأحدث ما توصل اليه العلم الحديث من ابتكارات واكتشافات، مقترحا أن يتم فتح المجال واسعاً امام مجتمع المعلمين لتقديم اقتراحاتهم على المناهج قبيل اعتمادها رسمياً. ويشير إلى أن المجتمع مقبل على مناهج جديدة للعام القادم وحتى الآن لا يعلم أحد عن تفاصيلها شيئاً، فلماذا لا يتم نشر ما يتم اعتماده كي يتم مراجعته من قبل المتخصصين واستقبال جميع الملاحظات أولا بأول. وفي ذلك تقول خبيرة المناهج الدكتورة روناهي عبدالكريم مجدلاوي، إن الأصل في المنهاج أن يعكس الواقع لا أن يزيفه او يجمله وهذا ما يسمى صدق المناهج، الذي يجعل ما يتعلمه الطالب له صلة بالواقع وله معنى، بل ينبغي ان يتضمن المنهاج مشكلات الواقع وتصبح الامثلة من بيئة المتعلم. غير أن مناهجنا لا تعكس الواقع، للأسف، وفق مجدلاوي التي تبين أن التربية هي اعداد الطالب للحياة ولكن عندما يكون هناك انفصال بين ما يتعلمه وبين الواقع فبهذه الطريقة لا نعده للحياة، وهنا تكون الاشكالية الكبيرة التي تخلق لدى الطلاب الانحراف وتمزيق الكتب وعدم الشعور بالانتماء وتبعد عنه فكرة المواطن الصالح. وتضيف أن المنهاج اذا كان غير جيد والمعلم مؤهلا قد يغطي ذلك الفجوات الموجودة في المنهاج، الا أن المشكلة في حال كان المعلم غير مؤهل وغير مدرك للمنظور التربوي، وبنفس الوقت المنهاج غير صادق سيكون هناك تشوه مضاعف وتزييف مضاعف. وتعتبر مجدلاوي أن هناك عدة أبعاد، وهي حاجات المتعلم وحاجات المجتمع والحاجات المعرفية المتسارعة والتطور التكنولوجي الهائل الذي يفرض نفسه، ما يتطلب تطوير هذه المفاهيم وتغييرها، مبينة أن التعليم هو من يقود عملية التغيير بشكل مخطط ومنظم يسير وفق حاجات المجتمع والمعرفة مع الحفاظ على هويته ومبادئه. لذلك لا بد من معرفة كيفية التعبير عن هذه المنظومة في المناهج من خلال كل المواد والمباحث وهو ما يسمى بـ”المبحث التكاملي”، بحيث يكون في الرياضيات والرياضة والفن والعلوم كل ما يعد الطالب ليكون نموذجا لطالب صالح يعكس المنظومة القيمية أينما ذهب ويكون له هوية عربية أردنية، ويملك المعرفة في نفس الوقت، لينطلق من المحلي ويصل للعالمية، ويتم إعداده بطريقة ينافس فيها على مستوى العالم، لافتة الى أن هذا كله يتحقق بوجود مناهج تعلم كل هذه الامور وتعلم التميز وهو ما تفتقده مناهجنا الحالية. ويؤكد الخبير التربوي د.ذوقان عبيدات على أهمية ان تكون الكتب بشكل عام والمناهج حديثة وتحوي آخر المستجدات في العلوم المختلفة، مبينا أنه في فترة إعداد الكتب وتأليفها تطرأ تغييرات، فكيف الحال بكل هذه المدة من السنين ولم يطرأ عليها أي تغيير. ويبين أن المعلومات يجب أن تتناول الأفكار والمفاهيم الحديثة، وفي العلوم الإنسانية معظم الأشياء تكون عن تاريخ الشيء وليس الشيء ذاته، حتى المشكلات والحلول التي تقدم تكون تاريخية، لافتا الى أن الكتب تمتلئ بالحلول لمشكلات قديمة وليست مشكلات واقعنا الحديث وما نعيشه. ويذهب إلى أن الطلبة ليسوا بحاجة لحلول ابتكرها أجدادنا إنما حلول تناسبهم وتتماشى مع عصرهم حتى في طبيعة الكلمات والمصطلحات المستخدمة في المناهج التي تعتبر قديمة جداً. وكانت وزارة التربية والتعليم عدلت بعض الكتب المدرسية لتواكب من وجهة نظرها التطورات العلمية والتعليمية، لكنها وجدت معارضة واحتجاجات من قبل البعض، ما دفعها الى تشكيل لجنة لدراسة التعديلات التي أجريت على الكتب، ولتقييم المناهج المدرسية. وأشار تقرير اللجنة الذي صدر الشهر الحالي إلى أن الكتب المدرسية (التجريبية) موضع النظر اشتملت على تنوع في أساليب العرض والموضوعات، وركزت على مهارات التفكير الناقد والتحليل والربط والحوار والمناقشة والاستنتاج. واعتبر التقرير أن الكتب علمية في نهجها، واقعية في طرحها، وتقدم مواقف حياتية وتطرح مشكلات واقعية تثير تفكير الطلبة لإيجاد حلول منطقية، وترتكز كذلك على الدليل العلمي والبرهان العملي، وتسهم في إثارة القدرات الذهنية ومهارات التفكير. وأوضح التقرير أن الكتب المدرسية أضحت أكثر تخصصاً وعمقاً في العرض والتحليل وتناول الموضوعات المختلفة مع المحافظة على التكاملية بين المباحث والتسلسل المنطقي والإثرائي، فيما ركزت على مهارات ضرورية وأساسية مثل الاستماع والمحادثة في كتب اللغة العربية، إضافة إلى تنوع النشاطات المرافقة.