عمان - على الرغم من مرور 22 عاما على تعرض الطالب صالح سمور لحادثة سقوط باب المدرسة عليه، إلا أن آثارها "ما تزال مستمرة لغاية الآن"، بحسب والدته. وتقول والدة الطالب سمور لـ"الغد" إن ابنها الذي "كان في الصف الأول العام 1994، خرج آنذاك ليلعب مع زملائه كالمعتاد في الفرصة، لكنه لم يكن يدري أن هذا اليوم سيشكل علامة فارقة في حياته بعد أن سقط الباب على رأسه". وتشير إلى أنه تم نقل ابنها الى المستشفى وبقي لمدة خمسة أيام في غرفة الإنعاش نتيجة "عدم القيام بإجراء الصيانة اللازمة لأبواب المدرسة الحديدية". وتبين الوالدة: "ابني كتب له الله عمرا جديدا على الرغم من إصابته بكسر في الجمجمة، والحمد الله تماثل للشفاء". وتضيف: "ابني انخرط بسوق العمل حاليا بعد معاناة طويلة للحصول على وظيفة نتيجة لوجود أثر للضربة على خده حتى الآن، حيث يعتبر البعض للوهلة الأولى أنه صاحب إشكاليات، لكنهم لا يدركون أنها إثر عارض وليس لابني ذنب فيها". وتزيد الوالدة: "لن أسامح من تسبب لابني بذلك الألم، حيث كان يرغب أن يصبح مضيفا للطيران، إلا أن هذا الحلم سيبقى في مخيلته ولن يتحقق، كون شركات الطيران ترفض تعيينه بسبب هذا الأثر الموجود على خده، على الرغم من انطباق كافة الشروط الأخرى عليه". ومع مرور الأعوام، ما تزال تلك الحوادث الناتجة عن ضعف البيئة التعليمية الآمنة للطلبة داخل المدارس تتكرر بشكل ملحوظ، ما يثير تساؤلات عديدة عن مدى توفر السلامة العامة والبيئة الصديقة داخل المدارس، خصوصا بعد وفاة الطالب (عيد)، نتيجة صعقة كهربائية في مقصف مدرسته أثناء مساعدته في التنظيف، استعدادا لبدء العام الدراسي الحالي، في محافظة الزرقاء. وبهذه الحادثة يصبح الطالب عيد رقما في سلسلة ضحايا ضعف البيئة الآمنة داخل المدارس، التي شهدت لاحقا وفاة الطالب (فراس)، متأثرا بجراحه إثر سقوط باب مدرسته عليه في محافظة الرمثا. وتؤشر وفاة الطالبين فراس وعيد وغيرهما، ممن لقوا حتفهم أثناء تواجدهم في مدارسهم، إلى ضرورة تفعيل الرقابة على المؤسسات التعليمية، وخاصة تلك التي تقدم رعاية للأطفال. بيد أن حادثة فراس لم تكن الأخيرة في ملف مدى سلامة البيئة المدرسية في القطاعين العام والخاص، فالطالب نايف ابن العشرة أعوام، لقي حتفه إثر انهيار جدار في مدرسته في حي الزهور بعمان، فيما تعرض 13 طالبا آخرون لإصابات نتيجة إجراء عمليات إنشائية داخل المدرسة اثناء تواجد الطلاب فيها، وكذلك الطفل يزيد (4 سنوات) الذي يعد ضحية أخرى للحوادث المدرسية، والذي توفي العام 2012 غرقا في مسبح مدرسته، بعد أن تركته مشرفة الباص يدخل إلى مبنى المدرسة الرئيسي بدون متابعة. كما تلت حادثة يزيد قضية الطفلة سيلين التي توفيت خلال درس السباحة في مدرستها، إلى جانب الطفلين عبدالله ودانية اللذين قضيا دهسا بعجلات باص المدرسة في العام 2014، وهذا الأمر تكرر مع حالتين في محافظة الطفيلة لطفل يبلغ من العمر 12 عاما لقي حتفه دهسا أثناء قطعه الشارع الرئيسي في طريق العودة للمنزل قبل نحو 10 ايام، في حين تعرضت طالبة تبلغ من العمر 9 أعوام لإصابات بليغة نتيجة دهسها في الشارع بداية العام الدراسي الحالي، حيث قضت ما يقارب شهرا في المستشفى، إلا أنها تعافت وعادت إلى مدرستها. بدوره، يقول أمين عام وزارة التربية والتعليم سامي السلايطة، إن الوزارة تؤكد أهمية توفير بيئة آمنة للطلاب في المدارس، مبينا أن الوزارة تتعامل مع مثل هذه القضايا من خلال فتح لجان تحقيق واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المخالفين. ويضيف أن عدد المدارس التي تم طرح عطاءات صيانة لها يبلغ 1355 حتى الآن بتكلفة 12 مليونا و230 ألف دينار، مشيرا إلى أن مديريات التربية والتعليم ما تزال تجري أعمال صيانة في المدارس المحتاجة، من خلال طرح عطاءات لذلك. ويبين السلايطة أنه سيتم طرح عطاءات لاستكمال أعمال صيانة بقيمة 16 مليون دينار حتى نهاية هذا العام. من ناحيته، يؤكد مدير إدارة التعليم الخاص أمين شديفات لـ"الغد"، أن الإدارة أنذرت قبل نحو أسبوعين إحدى المدارس الخاصة، نتيجة وجود سور آيل للسقوط فيها، مبينا أن هناك لجانا تزور المدارس يوميا للتأكد من مدى توفر السلامة العامة فيها. وكانت الإدارة أنذرت العام الماضي 3 مدارس خاصة نتيجة "مخالفتها شروط السلامة العامة"، بحسب شديفات، مشيرا إلى أنها اعتادت التنبيه على ضرورة توفر السلامة العامة في المدارس، حيث عممت الأسبوع الماضي على المؤسسات التعليمية الخاصة، بضرورة توخي الحيطة بشأن سلامة الطلبة، كما حذرت من أنها تحمل مؤسسي تلك المدارس المسؤولية الكاملة عن أي أذى يلحق بالطلبة جراء استخدام الباصات. ويكشف عن حادثة دهس بالباص المدرسي حصلت في عمان الشهر الماضي، إضافة إلى حادثة مماثلة قبل أسبوع أيضا في محافظة جرش، وتم تشكيل لجنة تحقيق في الحادثتين، مؤكدا أن ما حصل "لن يمر دون عقاب، وسيتم إنذار المدرستين". ويوضح أن المادة 14 (3 - أ) من قانون الوزارة، تنص على "تلغى رخصة المدرسة في حال حصولها على ثلاثة إنذارات نتيجة لمخالفة الأنظمة والتعليمات". من جانبه، يقول الناطق الإعلامي لنقابة المعلمين أحمد الحجايا، إن إجراءات وزارة التربية والتعليم "مبنية دائما على ردة الفعل، وأحيانا لا تبادر لحل بعض القضايا، ولا ترسم خططا وسياسات مناسبة لتفادي هذه الأخطاء". ويشير الحجايا إلى أن قضية صيانة المدارس الحكومية "أمر مقلق، فالمخصصات المالية للمدارس لا يمكن أن تكفي لإجراء صيانة للأبواب، هذا إن وجدت المخصصات أصلا، والتي بالكاد تسدد النواقص الضرورية وذات الأولوية الأكبر من مواد قرطاسية وزجاج مكسور وأوراق لتسيير العملية التدريسية اليومية، فما بالك بصيانة بوابات وأسطح وأسقف وخزانات وشبكات مياه وصرف الصحي". ويضيف أن مديريات التربية والتعليم تشتمل على أقسام صيانة، لكن لا تتوفر لديها مخصصات تكفي جميع متطلبات المدارس التي تتبع لها، وإن وجدت "تكون محدودة ولا تحقق الغرض". من ناحيته، يبين مدير إدارة التخطيط التربوي السابق في وزارة التربية والتعليم محمد أبو عزلة، أن الإجراءات التي تقوم بها المدارس للحصول على الصيانة تتم عبر مخاطبة المدرسة لمديرية التربية والتعليم التابعة لها، وبدورها تطرح المديرية عطاءات لغاية 10 آلاف دينار، وفي حال زاد المبلغ على ذلك تخاطب الوزارة، التي من جانبها تطرح العطاءات بنفسها، وهذه العملية تحتاج من شهرين إلى ثلاثة. ويشير أبو عزلة، إلى أن الموازنة المخصصة للصيانة تبلغ 4.5 مليون دينار، لكن يتم تحويل بعض المبالغ إلى جوانب أخرى لدعم المدارس، فبعض المديريات لا تحصل على أكثر من 60 ألف دينار في السنة، رغم أنها تكون مسؤولة عن 200 إلى 250 مدرسة، والمبلغ لا يكفي إلا لنحو 5 أو 6 عطاءات للمديرية الواحدة. من ناحيته، يؤكد مستشار الطب الشرعي، الخبير في مواجهة العنف ضد الأطفال لدى مؤسسات الأمم المتحدة الدكتور هاني جهشان، ضرورة أن تكون البيئة المدرسية "صديقة للأطفال"، وتحافظ على حقوقهم الأساسية في الحياة والصحة والحماية، إضافة للتعليم، وهو الأساس في المدرسة. ويقول جهشان إن حدوث الإصابات الشديدة والوفيات داخل المدارس بسبب التعرض لإصابات أو مخاطر، هو "أمر مستغرب"، حيث يتوقع أن توفر إدارة المدرسة ومديريات التربية ووزارة التربية والتعليم، "ضمانا بأن تكون البيئة المدرسية آمنة من كافة المخاطر التي قد تؤدي لتلك الحوادث". ويشير إلى ظروف حدوث هذه الإصابات تتراوح بين حوادث انزلاق أو تعثر بسبب عيوب في الأبنية أو البنية التحتية في غرفة الصف، وعلى الأدراج (السلالم)، وملاعب الرياضة، وساحة المدرسة، والمقصف أو المرافق الصحية، والجروح الناتجة عن أجسام غريبة حادة، وخاصة في ساحة المدرسة، وكذلك الإصابات بسبب عيوب في الأبواب أو البوابات أو النوافذ أو أسوار المدرسة، أو الإصابات بسبب عيوب في الأثاث المدرسي، والأجهزة الرياضية، ومرافق الترفيه، والأبواب، وغير ذلك الكثير. ويبين أن الإخفاق في توفير البيئة المدرسية الآمنة، هو "انتهاك لحقوق الطفل، وتتحمل مسؤوليته المباشرة الحكومة ممثلة بوزارة التربية والتعليم، في حال غياب رقابتها عن المدراس، بما في ذلك المدارس الخاصة ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) ومدارس الثقافة العسكرية". ويؤكد ضرورة الوقاية من إصابات الأطفال في المدرسة من خلال تحمل وزارة التربية والتعليم مسؤوليتها المباشرة نحو جميع مدراس المملكة الحكومية باستراتيجية واضحة قابلة للتنفيذ تقيس وترصد، و"تبتعد تماما عن التبريرات غير المنطقية من حيث غياب التمويل، لأن حماية الأطفال هي الأولوية الكبرى، ويتوقع أن يكون هناك أحقية لرصد الأموال لذلك من الميزانية العامة للدولة". كما يشدد على أهمية قيام الوزارة بإجراء تقييم وتطوير ورصد لأداء مديرياتها المتعلقة بصيانة الأبنية والأجهزة والبنية التحتية، بما في ذلك المهام الرقابية الميدانية على المدارس في كافة أنحاء المملكة، وتجاوز الترهل الإداري والفساد في هذه المديريات، فضلا عن وضع الوزارة وثيقة معايير قياسية للسلامة في المدارس تضمن تنفيذها بتوفير الموارد المالية والبشرية، وبعقود صيانة مستدامة مع مؤسسات أو شركات قادرة على ضمان الاستدامة. ويقول إن هناك مسؤولية مشتركة على المدرسة من حيث تشكيل لجنة أمن وسلامة من أهالي الطلاب والطلاب أنفسهم والمعلمين، تقوم بتقييم وضع المدرسة ووضع خطة للتنفيذ، وتستمر بالمطالبة وكسب التأييد، وتعمل على التواصل مع مقدمي الخدمات الصحية والاجتماعية في المجتمع المحلي، لتوفير الخدمات الوقائية والعلاجية للإصابات التي قد تحدث في المدرسة. ويضيف "كما ينبغي تدريب المعلمين والإداريين وموظفي الأمن، في ورشات عمل متخصصة، تتعلق بالمخاطر التي قد تهدد سلامة الطلاب، وأيضا إجراء الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الصدري، إلى جانب توعية العاملين بوظيفة حاجب أو بواب، بأساسيات التعامل مع الأطفال وحمايتهم من المخاطر". كما يؤكد ضرورة أن "يكون هناك دور رقابي للدفاع المدني، بحيث لا يقتصر على الترخيص الأولي لسلامة البنية التحتية، بل أن يجري رقابة دورية على مرافق المدرسة". ويدعو جهشان الى تفعيل دور الصحة المدرسية، بتواجد العامل الصحي إن كان طبيبا أو ممرضة بشكل مستمر في المدرسة، مؤكدا أن هذا النقص "يعيش وضعا مترديا في أغلب المدراس الحكومية، ويقتصر على التطعيم والزيارات غير الفاعلة من قبل العاملين في المراكز الصحية للمدارس"، كما أن هناك دورا وقائيا للصحة المدرسية من خلال الرقابة على المخاطر يوازي بل يفوق دورها في الاستجابة للحوادث والإصابات. ويشير الى أن "التسبب في الوفاة عن إهمال أو قلة احتراز، هو جريمة يعاقب عليها القانون الأردني بنصوص واضحة، أما عدم تجنب المخاطر في المدرس التي تعرض الطلاب للموت، فهو إهمال وقلة احتراز، ويتوقع من الادعاء العام ملاحقة المتسبب حسب هذه النصوص القانونية، كما تتحمل المدرسة ومديرية التربية والوزارة، من الناحية القانونية والمنطقية، المسؤولية المباشرة عن الوصول إلى ظروف الإهمال هذه". ونصت المادة (343) عقوبات "من سبب موت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة، عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات"، كما نصت المادة 289 من قانون العقوبات الأردني على أن "كل من ترك قاصراً لم يكمل الخامسة عشرة من عمره دون سبب مشروع او معقول، ويؤدي الى تعريض حياته للخطر، أو على وجه يحتمل أن يسبب ضررا مستديماً لصحته، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات إذا كان القاصر لم يكمل الثانية عشرة من عمره". وبحسب المادة 344 من قانون العقوبات، يكون "عقاب إحداث عاهة دائمة نتيجة الإهمال، الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين"، فيما حدد القانون أشكال العاهة "بقطع او استئصال عضو أو بتر أحد الأطراف، أو إلى تعطيلها أو تعطيل إحدى الحواس عن العمل، او تسبب في إحداث تشويه جسيم". وبمرجعية القانون المدني، "تتحمل الجهة المسببة للضرر على الطفل، التعويض المادي المتعلق بالوفاة أو تخلف عاهة مستديمة، إن كانت إدارة المدرسة أو المديرية ذات العلاقة أو زارة التربية"، فقد نصت المواد 256 و266 و267 من القانون المدني على: "كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز ضمان الضرر" و"يقدر الضمان في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب، بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار".