د. ذوقان عبيدات

أولا: مبادئ أساسية: 1 - الهاوي شخص يعمل خارج نطاق العمل الرسمي، يمارس نشاطا مرحا فرديا، أو شخص يمتلك، أو لا يمتلك مهارات تؤهله للاحتراف. 2 - الهاوي غالبا ما يمارس نشاطا استهلاكيا، بخلاف المحترف، الذي غالبا ما يمارس نشاطا استثماريا. 3 - يتسع المجال في أي عمل لهواة ومحترفين، ولكن المشكلة حين يظن الهاوي أنه محترف، ويظن أن المحترفين هواة. 4 - للعمل الاحترافي مسؤوليات أدبية وأخلاقية، في مقدمتها بذل أقصى جهد، وبدقة متناهية. 5 - المحترف غالبا ما يقدم نموذجا ملهما، فالرياضي المحترف، مثلا، لا يحق له أن يكذب أو يمارس فعلا شائنا، لأن ملايين الشباب يقلدونه! 6 - يحق للمحترف أن لا يكشف عن موعد، أو حقيقة، ولكن لا يحق له أن يضلل ويضع مواعيد غير حقيقية، فإذا سئل عن قضية ما، لا يحق له أن يقول لا أعرف، إلا إذا كان ذلك حقيقيا. 7 - الهاوي قد يستخدم الفهلوة والتذاكي "الغبي" دون أن يحق ذلك لمحترف، فالمحترف مهني يلتزم بميثاق أخلاقي. 8 - حين يعمل المحترف، فإنه يميل إلى التخطيط، وبعد النظر، والوعي بعمله وأهدافه، والهاوي ينفذ أعماله بسطحية، وربما بضجيج. 9 - وأخيرا، الفهلوة، والتضليل المقصود، وربما الحزم - وحتى لو قدم عاصفة حزم- لا تؤدي إلى التغيير الحقيقي. ثانيا: التعليم: أعمال هواية أم أعمال احتراف: يمارس الهواة في التعليم أعمالهم، وفق القواعد السابقة، فلنحاول تطبيق هذه القواعد على "الإصلاحات" التربوية التي يفاخر فيها أصحابها، لنرى إن كانت أعمال هواية أم أعمال احتراف! 1 - تغيير الكتب المدرسية دون تغيير المناهج: حصل طلابنا هذا العام على كتب مدرسية جديدة، لم تكتب بناءً على فلسفة جديدة، كأن نقول: تحقيقا لحاجات المجتمع، أو حاجات الطلاب، فلم تعد وزارة التربية، ولا باحثوها- وهم غير موجودين- ولا داعموها أو المتعاونون معها بأجر، أي دراسة، ولو استطلاعية، أوصتهم بتغيير المناهج أو الكتب، فعلام استندت الوزارة عند قرارها بوضع كتب جديدة؟ هل هناك فلسفة جديدة؟ تطور جديد؟ حدث تربوي مهم؟ لقد غيرت الوزارة، أو بدأت بتغيير الكتب المدرسية قبل عقد مؤتمر التطوير التربوي! إذن يحق لنا أن نقول: المؤتمر لا لزوم له، لأن التغيير بدأ قبل انعقاده، أو تغيير الكتب لا لزوم له، لأن المؤتمر جاء ناسخا أو محايدا أو حتى داعما بالصدفة! لقد تعرضت الكتب الجديدة إلى نقد هواة، مثل حسني عايش، والمفكر والسياسي البارز مروان المعشر، والباحثة زليخة أبو ريشة، ودلال سلامة، وكاتب هذا المقال، وغيرهم... واتضح من النقد أن: - مناهجنا لا تحترم الآخر. - مناهجنا لم تحارب التطرف، وإن تحدثت عنه. - مناهجنا لم تقدم المرأة كمستقلة وعاملة تنمية. - مناهجنا أغفلت حقوق الانسان في كتب اللغة العربية، وقدمتها ثانوية في كتب التربية الوطنية، ولم تحفل بها في الكتب الأخرى، وربما خالفتها. - مناهجنا لم تقدم فلسفة لتحصين طلابنا، أو تمكينهم من نقد الأفكار الذائعة، أو الشك فيها، وهي مقدمات ضرورية للتفكير الموضوعي. - مناهجنا عزلت الحب بمعانيه الثمانية والثلاثين -كما أعلنت اليونسكو- وهمشت المنطق والتفكير والفلسفة والجمال. - مناهجنا أغفلت أفعال الإرادة والاختيار لصالح أفكار الالتزام والخضوع السالب. - مناهجنا تصر على هوية ثابتة، تحددت عبر آلاف السنين، مهملة أن الهوية كائن حي نام متطور...! - مناهجنا ضحّت ببناء الذات: حرة، مفكرة، مريدة، ناقدة، مخيّرة، مسؤولة، لصالح هوية غير وطنية، وحتى لو ضحت الوزارة، واستبدلت كتاب تاريخ الأردن، بالكتاب سيئ الذكر الثقافة العامة. - مناهجنا تقسم الشعب الى أكثرية وأقلية، وخاطبت الجميع دون احترام للتنوع بخطاب الأكثرية. هذا ما يقوله باحثون، حللوا الكتب الجديدة، التي ظهرت قبل بداية الفصل الدراسي الثاني لهذا العام. فماذا قالت الوزارة؟ هل هذا كلام هواة؟ ومن هم المحترفون الذين استدعتهم الوزارة؟ أتمنى أن تقدم الوزارة أي ورقة عمل، قدمها هؤلاء طيلة مدة خدمتهم في الوزارة. مع العلم أن أياً منهم لم يعمل يوما واحدا في المناهج، أو في مجلس التربية، سوى أحدهم بصفته الوظيفية! 2 - الامتحان العام: يميل الهواة عادة إلى الحلول السهلة، دون التفكير في المترتبات، فتكون الاجراءات إدارية سطحية لمعالجة قضايا تربوية عميقة. فهذا العام مثلا، تم اتخاذ اجراء عقد الامتحان مرة واحدة. وفي العام الماضي اتخذ اجراء ادخال قوات أمنية لمحاصرة قاعات الامتحان وحمايتها من الجمهور. وفي هذا الصدد يمكن القول ان الامتحان يتغير شكلا إذا حدث متغيرّ. وهذا المتغير يكون إما في فلسفة التدريس أو فلسفة المناهج، أو اجراءات القبول الجامعي. وبحدود علمي فإن أياً من هذه المتغيرات لم يحدث. إن عقد الامتحان مرتين، يختلف عن عقده مرة واحدة، ففي المرة الواحدة يقل عدد المواد، وتتركز اسئلة الامتحان على قضايا المعرفة الكبرى، بما يسمح للطلاب بأن يعبروا عن افكارهم بعيداً عن التفاصيل. وفي عقد الامتحان على دفعتين، يمكن السؤال عن تفاصيل معرفية دقيقة، وهي غير ضرورية، لكن هل فكرت الوزارة في تغيير فلسفة الامتحان حين غيرت شكله؟ إن المنطق يقول إن فلسفة الامتحان هي التي تغير الشكل، وهذا عمل او تفكير المحترفين. وفي المترتبات، يوفر الامتحان على دفعتين، فرصاً عديدة للنجاح، ويوفر فرصاً عديدة لعمل الكليات والجامعات، دون اضطرار لانتظار عام كامل، حتى يستعيد غير المستكملين استكمال متطلبات نجاحهم، فمن يرسب في مادة واحدة، عليه ان ينتظر عاماً كاملاً! اما المدارس التي لم ينجح فيها احد، فهي موضوع تندّر في الوزارة، وألم في المجتمع، فالتفكير "الهواوي" من هواة يحملّون المدرسة والمعلمين وتخلف المجتمع المحلي المسؤولية، دون البحث عن حلول ابداعية، كأن نغير أيام الاجازات، نهاية الاسبوع، ونرسل لهم معلمين - طائرين - مثل الورشات المتحركة على الطرقات تصلهم، وفق الطلب، سواء غيرنا أيام التدريس أم بقيت كما هي. وفوق كل ذلك، نرى في المجتمع من ينكر على أبناء المناطق المنكوبة مقاعد استثنائية في الجامعات! وماذا عن الامتحانات والرسوب؟ تصدّر الامتحانات العامة عشرات الآلاف من الراسبين، وتصدر الامتحانات المدرسية آلافاً أخرى، يتسرب عدد كبير منهم ويتركون المدارس. فنحن حين نفكر في ترسيب الاطفال، ومحاولات الغاء نظام الترفيع التلقائي، نهمل عدداً من المترتبات، في مقدمتها: - ان كلفة الطالب الراسب 1000 دولار اضافية. - ان احتمال تسربه عال جداً. - واحتمال عودته بعد سنوات عالٍ، لنصرف عليه في صفوف وبرامج تعليم الكبار. هذا عدا عن الآثار السلبية: نفسياً واجتماعياً وعاطفياً على الراسبين وأهاليهم! يميل تفكير الهواة عادة الى ترسيب الطلاب، دون النظر الى المسببات والمترتبات. ثالثاً- الإصلاح التربوي بين المسؤوليات الأخلاقية والتذاكي: كان الرياضي زين الدين زيدان مثالاً للشباب في العالم، وحين اخطأ وارتكب فعلاً سلبياً في آخر مباراة له، اعتذر بشدة أمام العالم، ليقدم نموذجاً آخر للسلوك المحترف. اسوق هذه الحادثة، لأنتقل الى السلوك الاحترافي في التربية، لا للمقارنة بل لتوضيح سلوك نتمنى أن ينتشر ويشيع. في مقابلة اعلامية، سئل أحدهم: متى...؟ عن قضية تهم المجتمع.  أجاب: لا اعرف. وحين أصر الإعلامي، أجاب المسؤول: ربما خلال سبعة أيام، ليس لدي معلومات! اقتنع المجتمع بهذه المدة، لكن المسؤول فاجأ الجميع صباح اليوم التالي، باعلان ما نفى معرفته به! هذا سلوك "تذاكي"، وليس فيه حكمة أو حزم، إن سلوكا قد يفقد صاحبه المصداقية الضرورية لممارسة العمل! واذا مارس الضبابية في مثل هذا الموقف، كيف بنا التحدث عن الشفافية! وأخيراً.. بين الهواية والاحتراف: * لا بأس في أن يكون شخص ما هاوياً، فمن برامج الهواة يخرج عمالقة ومبدعون، فالهواية ليست تهمة. * بعض الهواة يفوقون بعض المحترفين، فهناك شعراء مغمورون أبدعوا أشعاراً عجز عن مثلها كبار الشعراء. المشكلة هي أن يقول هاوٍ عن محترمين، بأنهم هواة، لمجرد تقديمهم ما يخالف آراءه أو قراراته. وليتذكر الجميع أننا في عصر الشفافية واحترام الآخر! قال كونفوشيوس "إذا ما صرت يوماً ما مسؤولاً، فإن أولويتي هي اصلاح اللغة، فإذا لم تكن اللغة صحيحة، فإن ما يقصد لا يقال، وما يقال لا يقصد.. وما ينبغي أن ينجز لا ينجز.. وهذا انحطاط للأخلاق والفن، واذا حصل هذا الانحطاط اختل ميزان العدل، وهذا طريق الضياع". عجباً! حين ردت وزارة التربية على مقالاتي، قالت: وهل تريدنا أن نضع أقوالاً لكونفوشيوس!