عمان- الحالة النفسية والجسدية أمران في غاية الأهمية بالنسبة للطالب، وموازيتان لتحصيله العلمي وكفاءته في التعليم، فوجود الطالب في بيئة مادية ملائمة وصحية آمنة ونظيفة، ينعكس إيجاباً على تحصيله الأكاديمي، وتعد حاجة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها. وكما هناك اهتمام دائم ومتواصل في المعلم وكفاءته والمناهج وأساليب التدريس والعمل بجد من أجل إصلاح العملية التعليمية برمتها، لا بد من الالتفات إلى البيئة المادية المحيطة بالطالب، كمكمل أساسي لعملية الإصلاح هذه. اختصاصيون يرون أن وجود الطالب في بيئة صحية آمنة، ينعكس إيجاباً على العملية التعليمية ككل، والعكس صحيح، كما ويؤكدون أنها من المطالب المهمة والحاجات الضرورية. وهذا ما يجب أن يحظى به الطلبة كافة الملتحقون بالمدارس الحكومية والخاصة ووكالة الغوث، والذين يبلغ عددهم العام الحالي 1.9 مليون طالب. وفي ذلك، يرى الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات، أنه لا يوجد تعلم بدون بيئة مادية مناسبة، ويقصد بالبيئة المادية جميع التسهيلات من مكان وتهوية وأكسجين وكل شيء متعلق في الطالب، مبيناً أن البيئة المادية المناسبة يجب أن توفر مساحات لحركة الطالب في الصف. ويضيف أن البيئة المادية يجب أن تكون آمنة بمعنى أن لا يكون فيها ما يهدد حركة الطالب مثل الأبواب التالفة والأدراج والأسوار والساحة وموقع المدرسة، بأن يكون موقع آمنا. ويلفت ذوقان إلى أن دماغ الطالب لا يعمل إلا بوجود الأكسجين، والصفوف المزدحمة لا توفر الأكسجين للطلاب، لذلك لابد من وجود تهوية مناسبة، وأن يزرع في كل صف من 6-10 نباتات لتزويد الطلبة بالأكسجين اللازم طوال النهار. بالإضافة إلى أهمية أن تكون ألوان الغرفة الصفية جاذبة وجميلة ومزودة بمناظر طبيعية بدون تعليق أشياء بشكل فوضوي على جدران الصف، مبينا أن بيئة الصف يجب أن تكون متجددة والمقاعد مريحة واتجاهاتهم متغيرة باستمرار. كما ويؤكد ذوقان ضرورة أن يسمع الطلبة الموسيقى باستمرار، لأنه ثبت علميا أنها تحفز الدماغ، ويصبح معها أكثر قدرة على الانسجام والتفاعل. ويلفت كذلك إلى أن نظافة دورات المياه أمر مهم جداً ومفقود في مدارسنا، ولا بد من العمل عليه وتوفير النظافة لهم. في حين تذهب الدكتورة والمعلمة السابقة والتربوية زاهية أبو السميد، إلى أنه لا بد من الاهتمام بالبيئة المادية للطالب من نواحيها كافة، فوجود دورات مياه مهيأة يعد من الحاجات الأساسية التي لا يستطيع الطالب أن يكمل تعليمه بدونها، كذلك عنصر التدفئة أمر في غاية الأهمية، فإذا شعر الطالب بالبرد يفقد كامل تركيزه ويصبج جلوسه في الصف كعدمه. بالإضافة إلى أن جلسة الطلاب المكتظة بجانب بعضهم بعضا لكثرة عددهم، كما تقول، يمنعهم من أن يطبقوا أي شيء من أفكار التعليم الجديدة مثل المجموعات والنشاطات التعليمية والتعليم التفاعلي خصوصاً في المدارس الحكومية. وتشير أبو السميد كذلك إلى ضرورة وجود ساحة مدرسية تكون متنفسا لهؤلاء الطلاب، موضحة أن هذه كلها أمور تعد من الأساسيات التي لا بد من مراعاتها، لضمان بقاء الطالب مندفعا ومتحمسا للتعلم والإبداع. المشرف التربوي على المدارس الحكومية الأستاذ محمد قاسم السلايطة، يقول إن عدد مدارس المملكة يتجاوز الـ3700 مدرسة، هذا العدد الكبير يشكل عبئا على وزارة التربية والتعليم، خصوصاً في موضوع الصيانة، مبينا أنه قبل مدة تم تخصيص أكثر من مليون دينار لهذه الغاية. إلا أن أعمال الصيانة تتأثر بأمور عدة، كما يقول، منها وجود ثقافة التخريب عند الطلاب، خصوصاً مدارس الذكور، وهو ما يستدعي عمل صيانة شبه سنوية للمدرسة نفسها، بالإضافة الى أنه أحياناً المخصصات لا تصل للمدرسة الأكثر حاجة لها وتذهب للمكان الخاطئ. ويرى السلايطة أن المدارس بحاجة إلى وقفة عملية على أرض الواقع بعيدا عن التنظير على الورق، بحيث يتم تقييم وضع كل مدرسة على حدة والعمل على تهيئتها بشكل صحيح، خصوصاً مع وجود الأعداد الزائدة التي شكلت عبئا كبيرا على المدارس، مؤكدا أن المدارس بحاجة إلى زيادة نسبة المخصصات لإصلاح أوضاعها ومتابعتها. وفي ذلك، يقول الاستشاري الأسري أحمد عبدالله أن البيئة المادية للطالب تلعب دورا كبيرا في عملية تعليمه؛ حيث إن للطالب حاجات نمائية أساسية تحدث عنها إبراهام ماسلو في هرم الحاجات الإنسانية. ويشير إلى أن أهمية تلبية هذه الحاجات للطالب تنبع من أن عدم تلبيتها يعيق العملية التعليمية أصلا، فلا يمكن أن نتصور أن هناك عملية تعليمية مكتملة الأركان، تسير بدون تدفئة، وكذلك بقية الاحتياجات الأخرى. والتعلم، من وجهة نظر عبدالله، فيه العديد من العوامل التي تنجحه أو تفشله كالدوافع وبيئة التعلم وطبيعة المنهج، لهذا فإن تلبية الاحتياجات كافة تعد من ضرورات التعلم. ومن ناحية صحية، يرى اختصاصي الطب العام د. مخلص مزاهرة، أن المدارس غير النظيفة، وخصوصا دورات المياه، تتراكم فيها الجراثيم، مما يؤدي إلى إصابة الطلبة بالتهابات في الأمعاء وفي المسالك البولية وفطريات في الجلد، عدا عن أنها تثير الاشمئزاز. أما بالنسبة للغرف الصفية، كما يقول، فإذا كان المكان مليئا بالغبار وغير نظيف، فإن البكتيريا والغبار المتكون يدخل إلى الجهاز التنفسي للطالب ويسبب له الالتهاب، بالإضافة إلى أن إغلاق الشبابيك والأبواب، بسبب البرد الشديد، وعدم توفر التدفئة، يعمل على عدم تجديد الهواء، ما يؤدي إلى تسكير المسالك الشعيبية عند الطالب ويتسبب له بالالتهابات كذلك. ويشير مزاهرة إلى أنه لا بد من قيام الطلبة بغسل أيديهم كل فترة، لأن جزءا كبيرا من المرض سببه عدم غسل اليدين الذي يحمي من الزكام والبكتيريا، مؤكدا أن كل هذه الأمور يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وأن يتم العمل على توفيرها من أجل صحة وسلامة أبنائنا.