نتائج الثانوية العامة وأسئلة التطوير في مجال التعليم

طالعنا مؤتمر نتائج الثانوية العامة بنسب نجاح وصلت لـ 50% على مستوى الدراسة الخاصة بارتفاع 10% عن السنة الماضية ؛ وكانت تلك الزيادة دلالة ايجابية على تحسن العملية التربوية والتعليمية في نظر البعض ؛ لكن هل هذا الإرتفاع يقتضي بالضرورة وجود تحسن في التعليم ..؟ بنظرة حيادية ؛ يمكننا القول أنه :  لا يمكن الحكم على تحسن التعليم بناء على نسبة محددة دون الاهتمام بباقي النسب والمؤشرات والظروف المرتبطة بكل مرحلة ؛ ودعني استدل بعدة أمور على ذلك  :

أولا : النسبة السابقة مخصصة لطلبة الدراسة الخاصة - الذين استكملوا متطلبات النجاح- ؛ ممن تبقى عليهم مادة واحدة كالإنجليزي مثلا أو أكثر  ؛ ولذا فإن تلك الفئة هي الاستثناء وليست الاصل ؛ فالاساس طلبة العام النظاميين  وإليكم النسب التي تعبر عن هذه الفئة التي تقدمت للدورة الشتوية :

. نسبة الفرع الادبي لهذا العام يشكل 51% من الطلبة النظاميين تقريباً ؛ وقد تضخم هذا الفرع من نسبة 18% إلى 51% من الطلبة النظاميين بناء على قرار إلغاء فرع الإدارة المعلوماتية ؛ فأصبح "الأدبي"  أكبر فرع بالمملكة .

. نسبة نجاح الفرع الادبي بأحسن الأحوال 18% فقط ؛ قياساً على مادة اللغة الإنجليزية الإجبارية

عدد من القرارات الوزارية ساهمت في تبرير تلك النتائج الكارثية السابقة ومنها :

أ) عدم تطوير مواد الفرع الأدبي

ب) عدم تطوير مناهج الفرع والتي تتضمن (الحشو ؛ والتكرار)  بذات المادة وبين المادة والأخرى

ج) قرار تعسفي وظالم وخاص بطلبة هذا الجيل : الزامهم بالتقدم بجميع المواد الإجبارية والإختيارية ؛ وهنا علي الإشارة أن طلبة الفرع الادبي سيتقدمون لضعف ما سيتقدم له طلبة الفرع العلمي بعدد المواد والمستويات

د) تصميم برنامج وزاري لا يراعي (النقطة ج) ؛ ولم يعطي الطلبة وقت فراغ كافٍ للمراجعة

هـ) إجبار طلبة الفرع المعلوماتي المستنفذين بالإلتحاق بالفرع الادبي ؛ بناء على قرار منعهم من دراسة الفروع المهنية إلا اذا أعادوا الصف الأول ثانوي مهني ؛ وبالتالي التحق بالفرع طلبة نظاميون من غير رغبة او دافعية

أما على صعيد الفرع العلمي ؛ فقد كانت نسب نجاحه لا تتجاوز 50% اذا ما اخذنا بعين الإعتبار نسب الرياضيات والإنجليزي فقط كمواد اجبارية ذات مستويين ؛ وبذلك نستطيع أن نقول أن نسب الفروع الأكاديمية للطلبة النظاميين لهذه الدورة لم تتجاوز 35% بأفضل حال ؛ بناء على نسب نجاح الفرع الادبي والعلمي مشتركين .

أتسائل :  ماذا نستفيد من نسب نجاح لا تتجاوز 35% ؛ سوى أننا ندفع أجيالاً للاحباط والكبت بعد مسيرة 12 عام دراسي ؛ يتفاجأ الطالب بنهاية المطاف انه لا يستطيع مجرد النجاح في مواد درسها لمدة 12 عام !!

هل هذا يعني أنني أدعو لنجاح جميع الطلبة ..؟ بالطبع لا ؛ لكن هل قمنا بالمقابل :  بتأهيل الطلبة مسبقاً للتقدم لامتحان التوجيهي خلال الصفوف الاساسية والإعدادية ..؟ هل وفرنا خططاً بديلة للطلبة الذين لا يتمكنون من تخطي الإمتحان ..؟ ما زالت المسارات المهنية والفروع التقنية والمهنية تشكل بديلاً منفراً لا يقبل عليه الطلبة لعدم تضمنه المزاياً التي تكفل للطالب تدريباً عملياً حياتياً يؤهله لسوق العمل أو لاكتسابه مهارة فنية أو تقنية "عصرية وعملية " يمكن الإعتماد عليها ، وكذلك عدم وجود بيئة تعليمية تدريبية مرتبطة بسوق عمل يمكن أن تحفز الطالب للإلتحاق به ؛ عدا عن الثقافة المجتمعية التي تنظر بعين الشك والريبة لطلبة الفروع المهنية .

تلك المؤشرات والنسب المتتالية على مر السنوات السابقة أسست لحالة مجتمعية من "الشباب المتعطل" عن التعليم والتدريب ؛يجد نفسه  حبيس الفراغ ومخاطر التطرف السلوكي والفكري والأخلاقي ، بمعدل انتاجية صفري ؛ وهذا بالضرورة يعطل مسيرة البناء في الوطن .

من زاوية أخرى ؛ يلاحَظ انخفاض عام في عدد الملتحقين بامتحان الثانوية العامة من عام لآخر ؛ لأسباب غير محددة في ظل غياب دراسات علمية ؛ إلا أنه بالمقابل هنالك مؤشرات أثرت نسبياً في تقليل أعداد الطلبة ؛ ومنها : شعور فئة من الطلبة بالإحباط من فرص النجاح نظراً لصعوبة الامتحانات ؛ وبخاصة  "التغير الكبير والمفاجئ "  بامتحان مادة الإنجليزي ؛ ومن الأسباب غياب فرع الإدارة المعلوماتية الذي كان الفرع الاكبر والأكثر جاذبية لطلبة التوجيهي لقدرته على إيصال الطلبة لعدد كبير من التخصصات الجامعية المطلوبة ، ويمكن كذلك ملاحظة تأثير قرار منع المستنفذين حقهم من التحويل بين الفروع الأكاديمية للفروع المهنية  ؛ كقرارمنع المستنفذين في فرع الإدارة المعلوماتية من دراسة الفروع المهنية كالفندقي مثلا الا بشرط اعادة الأول ثانوي ؛ وأضيف أيضا قرار رفع رسوم اعادة المواد للطلبة المستنفذين حيث اصبح إعادة التوجيهي يكلف مبلغاً كبيراً  ، وساهمت بعض المدارس بذلك من خلال تطبيق تعليمات النجاح والرسوب المدرسي في الحد من إيصال الطلبة للإمتحان الوزاري ؛ وهذا كله دفع عدد كبير من الطلبة لمحاولة الحصول على شهادة التوجيهي من خارج البلاد ؛ حيث نتج عن ذلك مشاكل اضافية عديدة .  الا ان جميع ما سبق يحتاج لوضعه تحت عدسة مجهر الدراسات العلمية لمعرفة الاسباب والآثار والنتائج .

 

ساهم انخفاض عدد الملتحقين بالتوجيهي ، وانخفاض نسب النجاح في التأثير سلباً  على القطاع التعليمي الذي يساهم في دعم الناتج المحلي بشكل بالغ ؛ فالجامعات الخاصة والكليات والأكاديميات أصحبت مهددة بالإفلاس ؛ نظراً لعدم وجود اقبال حقيقي من الطلبة (لقلة عددهم وعجز غالبيتهم عن النجاح) ؛ وجميع ما ذكرته من مؤشرات لا تعني رغبتي في تنجيح طلبة لا يستحقون النجاح ؛ بل أن نتسائل ؛ لماذا يصل غالبية الطلبة لمرحلة الثانوية العامة وهم يدرسون مادة طوال اثني عشر عاما لا يستطيعون النجاح بها ، وان قلنا بأن نسب التعليم الأكاديمية مضخمة ومبالغ بها مجتمعيا ً – وهو صحيح – أتسائل من جديد : ما البديل ..؟ هل وفرنا فرصاً حقيقية وعملية للطلبة خارج التعليم الأكاديمي؟ زال التدريب المهني والتقني يفتقر لعومل نجاحه في جذب الطلبة وتأهيلهم لسوق العمل ؛ وبالتالي فإننا – بصورة غير مباشرة – ندفع الطلبة للتعليم الاكاديمي دفعاً ثم نضع أمامهم العراقيل كـ (صعوبة الامتحان وزخم البرنامج وضعف التأسيس)  ؛ فلا تتحقق نسب النجاح لهم ؛ وهنا يصبح اليأس سيد الموقف ، والإحباط مناخ عام ، والفراغ حالة يومية لشبابنا الذي نبني عليه طموحاتنا في بناء أردن أفضل .

 

هل هنالك أمل ..؟ الأمل منعقد بصناعة القرارات الشمولية تراعي المنظومة التعليمية بأكملها ، وتتطرق لجميع التفاصيل ؛ وهذا لا يتحقق الا بمشاركة النخب التربوية والتعليمية في المجتمع ؛ سواء من داخل الوزارة أو خارجها ؛ وفتح المجال للمناقشة والحوار وتقديم الإقتراحات والحلول العملية من الجميع ؛ فكما قالت جلالة الملكة رانيا العبدالله في خطابها المهم " التعليم مسؤولية الجميع  فليكن مسؤوليتنا جميعا " .

بقلم حسام عواد

اعلامي تربوي

ناشر موقع الأوائل التعليمي