Author:
حسام عواد

المجتمع الذي يضع يده على بطن المرأة بعد أن تتزوج بشهر متسائلاً (مافي شي في الطريق) والذي يقدّس الحمل والإنجاب كل هذا التقديس .. هو ذاته المجتمع الذي يدير ظهره للطفل وأمه بعد اليوم الأول من الولادة ! ..

مشاهدات كثيرة لم أكن أراها من قبل بت أراها وأفكر طويلاً ..

في المساجد، كنت أرى ذات المشهد يتكرر دائماً، أطفال يبكون بعد بدء القراءة، ثم تقف امرأة في بداية الصفوف وتقول بأعلى صوتها موجهة أنظارها إلى أمهات الأطفال (الي عندها جهال تسكتهم!) وبنبرة حادة جداً وعصبية، فتوافقها بقية النساء..

لكن ومع كل المساجد التي تبنى حديثاً والتي تكون أحياناً ذات مساحات شاسعة وطوابق عالية .. لا أحد يفكر بتخصيص مكان لصلاة الأمهات، أو بغرفة صغيرة ليلعب بها الأطفال أو بساحة قريبة يمكن جمع الأطفال بها وعمل فعاليات لهم .. فتشارك الأم وطفلها في الحياة الدينية والمجتمعية..  (الأسهل دائماً أن تبقى الأم بالبيت ..) ..

على كروت الأعراس توضع دائماً في نهاية الكرت عبارة (نوماً هنيئاً لأطفالكم) أو (يمنع اصطحاب الأطفال) !   لكن ومع كل القاعات التي تُفتتح كل يوم بملايين النقود لا أحد يفكر بإنشاء مساحة \ ساحة للأطفال لتحضر الأم ويلعب الطفل ويشارك بالحياة العامة ..  (الأسهل دائماً أن تبقى الأم بالبيت ..) ..

في حمامات الغرب العامة ، في المولات والمتاجر الكبيرة وأماكن التنزه، دائماً ما أرى مكاناً مخصصاً لتغيير حفاضات الأطفال، وبصراحة مطلقة لم أرى هذه القطعة البلاستيكية الصغيرة مثبته في أي حمام عام دخلته في مكة والمدينة ، التي لا تكلف أي عبء مادي !  (في الحقيقة، تلك القطعة البلاستيكية تستطيع إخبارنا أن المجتمع الذي نعيش به فعلاً لا يرى أن الأطفال يشكلون نصف تركيبته السكانية وبأنهم يحتاجون الحمام مثلنا !).  أو أن (الأسهل دائماً أن تبقى الأم بالبيت ..) ..

في الوزارات، في المدارس، في الجامعات، في المراكز الصحية، في المراكز الرياضية الضخمة بالغالب يتم التفكير بكل شيء، يتم الإنفاق على كل شيء، إلا فكرة وجود حضانة داخل هذه المؤسسات لأبناء العاملين أو المشاركين، فيبقى الطفل تحت عين أمه في الاستراحات فترضعه وتطمئن عليه ..  (الأسهل دائماً أن نوظف فتاة لم تصبح أماً بعد) .. و (الأسهل دائماً أن تبقى الأم بالبيت) !

من السهل عمل مطعم أو متجر ملابس في هذه البلاد، لكن لا أفكار خلاقة لعمل مؤسسات تستهدف الأمهات وأطفالهم لعمل أنشطة وفعاليات مختلفة ..

كانت دائماً تتردد على مسامعي عبارة من الأمهات مفادها (حابة أشارك، حابة أروح، حابة أعمل .. بس وين أروح بالأطفال!) ..

الآن فهمت ..  الام غير مُرحب بها بالعمل، بالمسجد، بقاعة الأعراس، بالنادي الرياضي، بالحمامات العامة، وحتى بالشوارع التي لم تهيء يوماً لتسير عليها عربة طفل !

الواقع أن المجتمع الذي يضخ كل هذا الكم من الأطفال كل يوم .. هو في الحقيقة لا يراهم !!!.. أو دائماً ما يختار الحل الأسهل بإنهاء حياة الأم العامة .. لتجلس في بيتها .. مع الكثير من العبارات الدينية والوعظية (تبغوا تصيروا أمهات ببلاش .. الي تربي لازم تضحي.. اصبري بيكبروا وتنسي)..

الأم التي تريد أن تنجب 4 أطفال على سبيل المثال، يعني استغراقها في حياة الحضانة الأولى ما لا يقل عن 10 سنوات .. ولا عقل أو منطق يقول بأن عليها الإنعزال كل تلك المدة .. والأطفال الذين نعول عليهم بأحلامنا من حقهم أن يكونوا بيننا في حياتنا العامة ولا يعني أن ننهي دائماً وجودهم في أي حيز يجمعنا نحن الكبار ..

لا أريد شيئاً سوى،، أن يخفض المجتمع رأسه قليلاً ليرى قامات صغيرة هي في الحقيقة أقدام أطفالنا .. وأن يرفع رأسه وجبينه قليلاً فيحتوي المرأة الأم التي وضع الله الجنة تحت أقدامها ..فيكرمها كما تستحق أن تكرّم !

#الأمومة_من_حقي_والحياة_العامة_كذلك

آلاء سامي