هل يتمكن قطاع التعليم العالي من ترتيب «بيته الداخلي» من ناحية إعادة توزيع الصلاحيات بما يضمن ديمومة نفاذ التشريعات من قرارات وتعليمات وانظمة وقوانين؟ إعادة ترتيب قطاع التعليم العالي يتطلب تعديل تشريعات واستبدال الاليات التي كانت متبعة سابقا، باليات تستند الى دراسات واقعية بمشورة اهل الاختصاص والمعنيين.. فهل من المعقول ان إجراء الامتحان الوطني للغة الانجليزية للدراسات العليا، طاله ( 36) تعديلا خلال الفترة (2013-2016) ؟ وفي رصد لمخرجات مجلس التعليم العالي خلال الاشهر الماضية، فإن هنالك العديد من المؤشرات الايجابية، التي تذهب بإتجاه تنبه المجلس للواقع السابق والذهاب باتجاه الاصلاح وإعادة الترتيب للصلاحيات وتوزيعها، خصوصا ان قطاع التعليم العالي يدار من خلال مجالس وليس اشخاص. لاحظ مجلس التعليم العالي في إحدى جلساته ان نقاشاته لمدة عدة ساعات كانت تتعلق بقضايا طلابية، يمكن حلها من قبل مجلس العمداء داخل الجامعة نفسها، إلا ان واقع الحال والاعراف السابقة تقتضي عرضها على مجلس التعليم العالي، وعليه قام المجلس بتشكيل لجنة لأهمية القضايا التي نظر فيها المجلس على مدار ثلاث سنوات ماضية، والتي حددت (40) نوعا من القضايا ووضع لها إطارا وحول البت فيها الى مجالس العمداء. وسهل هذا الاجراء على الطلبة من حيث سرعة البت، الى جانب توجيهها نحو الاختصاصية في البت فيها، بالاضافة الى تمكين مجلس التعليم العالي من التركيز على السياسات العامة للقطاع، وليس القضايا الفردية والتفصيلية، ما عزز فكرة استقلالية الجامعات. بالمقابل ان الامتحان الوطني للغة الانجليزية المخصص لطلبة الدراسات العليا، والذي خضع لـ(36) تعديلا خلال ثلاث سنوات، حزمه المجلس الحالي بأنه قام بالغاء جميع القرارات السابقة، والتي لو بقيت لاستمر خضوعها للتعديلات، بأن وضع إطارا عاما للامتحان، واسند مهمة إجرائه للجامعات نفسها، بما ينسجم مع الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، التي تؤكد على ضرورة استقلالية الجامعات، إذ ان الامتحان سابقا كانت تنفذه هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي. كما انتهج المجلس خلال الاشهر الستة الماضية منهجا جديدا في الية عمله، لتفادي الاشكاليات التي كانت تواجه مخرجاته في السابق، والتي ابرزها حالة عدم الاستقرار التشريعي سواء من حيث التعديل او الالغاء والقدوم بقرارات سابقة. وتمثلت الالية الجديدة في اشراك ممثلين من الجامعات من ذوي الاختصاص في القضايا والمطالب موضع النقاش، والتي بالعادة تكون ذات طبيعة مختلفة عن المعتاد، للوقوف على وجهة النظر والاطلاع على التفاصيل والاستماع على ما يمكن ان يكون عليه الامر افضل، ليكون القرار محاط بابعاده المختلفة عند اصداره مضمونا وشكلا، ما يعزز الاستقرار التشريعي، ويمكن الجامعات من بناء الخطط والاستراتيجيات. كما ان هذا النهج، ينحى بمجلس التعليم العالي ايضا لتصويب اوضاعه، بما يضمن له الاستمرارية، خصوصا ان موضوعات التعليم العالي موسمية ومتلاحقة، سواء بالقبول الجامعي او المنح والبعثات او المعادلة والمصادقة والمنح والقروض الجامعية. وتعكس التعديلات التي أدخلت على مشروعي قانوني التعليم العالي والجامعات، جدية القائمين على القطاع سواء مجلس التعليم العالي كراسم للسياسات ووزارة التعليم العالي، على إعادة ترتيب «البيت الداخلي» في محاور متعددة، ابرزها اعادة تدوير المهام والصلاحيات وفقا للاختصاص، إذ ان الكثير من المهام التي تنص عليها القوانين الحالية توكلها الى مجلس التعليم العالي، الذي يفترض انه راسم سياسة ومراقب على ضمان تجسيدها، الى جانب إعادة النظر في تشكيلة المجالس، بما يضمن التشاركية ويعزز الحاكمية الرشيدة، وبما يضمن عدم وجود تفرد او تضارب في المصالح.