عمان- فتحت الجامعات الأردنية أبوابها أمام الموجة الأولى من لجوء الأكاديميين العراقيين العام 19911، عندما اعتدت الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى على العراق وفرضت حصاراً شاملا عليه، تبعته موجة هجرة أكاديمية ثانية مطلع العام 2003، إثر احتلال العراق. كانت المؤسسات الأكاديمية العراقية أمام مرمى نيران حرب مستعرة، دمّرت العديد منها، واستهدف الكثير من أساتذتها، بينما شكل الأردن خيارا للجوء عدد كبير من الأساتذة العراقيين، ممن ساهم بعضهم بتأسيس كليات بجامعات خاصة، ورفدها بخبرات متنوعة؛ حيث احتضنت هذه "الخاصة" لوحدها المئات منهم.  الصراعات السياسية والطائفية، كان لها أثر كبير بازدياد أعداد الأكاديميين العراقيين في الجامعات الأردنية، حيث تعرض العديد منهم إلى القتل والتهديد، "الأمر الذي أجبر الباقين للهجرة واختيار طريق الهروب لشتى أنحاء العالم، كانت الاردن أقرب خياراتهم"، وفق أستاذ الإعلام الرقمي والفنون الصحفية بكلية الإعلام بالجامعة العراقية، فاضل البدراني.    أين يتمركز العراقيون؟  تعتمد الجامعات الخاصة على نسبة من المؤهلات العراقية، تحديداً بتخصصات العلوم الصرفة، من الطب وطب الأسنان والعلوم والهندسة، وكذلك في الدراسات الإنسانية بعلوم الاتصال والإعلام والترجمة والتاريخ القديم، وفق البدراني.   بدأت هجرة الأكاديميين العراقيين تتسع باللجوء إلى الأردن ودول أخرى؛ وبدت الجامعات الاردنية مؤهلة لاستقبالهم أمام ازدياد مطرد بأعداد الطلبة الأردنيين والعرب فيها.   يفضل الأساتذة العراقيون الأردن بسبب استقراره مقارنة بدول عربية أخرى، ولطبيعة العلاقة الاجتماعية بين الشعبين العراقي والأردني، وأيضا لاهتمام الحكومة الأردنية وتفهمها للواقع العراقي، كما يقول البدراني.  استقبلت جامعات الأردن الأساتذة العراقيين منذ التسعينيات في تخصصات الإدارة والأعمال والهندسة، وكان تمركزهم آنذاك في جامعات خاصة، "كانت حاجة السوق آنذاك تتطلب مزيدا من الأساتذة الذين يتمتعون بهذه التخصصات، توفرت لدى عراقيين تخصصات غير متوفرة بالسوق الأردني، لكننا لم نعتمد عليهم بالكامل حيث كان هناك المصريون أيضاً"، يقول مدير مديرية مؤسسات التعليم العالي، تيسير عفيشات. ندرة تخصص تنعكس على الراتب!  في الجامعة التي يدرّس بها الأستاذ ماجد الغربي، كانت قد قدمت عرضا على الأساتذة بزيادة في الأجر مقابل الإشراف على رسائل تخرج الطلبة، لكن بعد نفاذ القرار بفترة حجبت الجامعة هذا الأجر عن المشرفين العراقيين وأبقته على الأردنيين.  يقول الغربي أنه وزملاءه العراقيين لم يراجعوا إدارة الكلية بذلك، خوفا من تأثر عملهم سلبا، فيما يذكر أن ثمة حججا كانت تدور حول "النصاب القانوني لكل أستاذ".  يعتقد الغربي أن التفرقة بين الأساتذة تتجاوز الجنسية، وتحاكي جنسية شهادة الأستاذ، "فخريج أميركا أو أوروبا أجره يكون أعلى ومكانته تكون أفضل في الجامعة".  لكن المسؤول بوزارة التعليم العالي عفيشات يشدد، في لقائنا معه، على أن "سوق العمل، عرض وطلب، الدرجة العلمية والاختصاص يحددان الأجر؛ الدرجة الأكاديمية تكون الأساس عند تقدير الراتب، لا شيء غير ذلك".  هناك نظام رواتب وعلاوات لكل الجامعات الحكومية والخاصة، ويترك لكل جامعة التقدير بناءً على الكفاءات، يقول عفيشات "لدى الوزارة نظام واضح تطبقه الجامعات كل على حدة، أحيانا الأستاذ غير الأردني يأخذ بدل سكن، يمكن اعتبار ذلك ضعف ما يتقاضاه الأردني".   "الجامعات الأردنية حكومية وخاصة تتبع هيكلا أكاديميا مضبوطا ومنسقا مع الوزارة، حيث لا يوجد تمييز بناء على الجنسية"، يقول عفيشات، ويؤكد أن الجنسية "ليس لها علاقة بتقدير أجور الأساتذة، فالأساس السلم الأكاديمي، وندرة التخصص غير ذلك هو محض إدعاءات غير مبنية على حقائق". "هناك عمل ندرة في التخصصات، قد يوظف أستاذ بـ(1200) دينار وآخر تخصصه نادر بـ(1800) دينار، ندرة التخصص يضاف إلى الراتب وتحدده كل جامعة حسب ما تراه مناسبا لها"، يضيف عفيشات.  "ندرة التخصص"، كما يعرفها الدكتور إياد الفتاح النسور، هي نسبة من الراتب الأساسي تتراوح ما بين (30 ٪)‏ في العلوم الشرعية و (50٪)‏ في تخصصات الأعمال، وحتى تصل إلى (200 ٪)‏ في بعض التخصصات الطبية الدقيقة، "لا يوجد في الأردن إلا بنِسَب ضئيلة والاعتماد على الراتب الأساسي الذي هو نفسه إجمالي الراتب، لكن بدول الخليج ونظرًا لانخفاض تنافسية السوق وبهدف المحافظة على الأساتذة الموجودين فيها يتم تعويضه بمصطلح الندرة وتسمى ايضا "علاوة العميد" يمنحها للأستاذ الذي يريدونه لكفاءته". الحرب ضاعفت هجرة العقول  غادرت الأستاذة الجامعية حياة الكرخي (اسم مستعار) العراق إلى الأردن العام 2010. تصف هجرتها بالاضطرارية نظرا لما تعرضت له من "مضايقات أمنية، ممارسات لا علمية داخل بعض المؤسسات الأكاديمية العراقية، فغياب النزاهة عن التدرج الأكاديمي في المناصب، دفعني جديا للهجرة".  عمل الكرخي بإحدى الجامعات الخاصة، يبدأ السبت وينتهي الأربعاء، ويعتمد على المنهج والجدول المحدد من الكلية. وتعتبر راتبها الشهري "مقبولا"، وتقول "كان جيدا  ببداية عملي لكنه الآن وللظروف الاقتصادية بات الراتب غير منسجم وارتفاع مناحي الحياة". كما تبدي قلقا من غياب التأمين الصحي.  تحتضن (27) جامعة حكومية وخاصة (440) أستاذا وأستاذة عراقيين؛ منهم (272) في الخاصة و(166) في الحكومية، في آخر أرقام حصلنا عليها من مديرية مؤسسات التعليم العالي. رواتب وفق السلم الأكاديمي يؤكد نائب الرئيس للشؤون الإدارية والمالية بجامعة البلقاء التطبيقية، محمد الحياصات، أن الأستاذ العراقي يعُامل معاملة الأردني، حيث أن المرتبة الأكاديمية لها معيار بالأجور بغض النظر عن جنسية المدرس.  تلتزم جامعة البلقاء التطبيقية بسلم رواتب، يحكمه نظام الرواتب والعلاوات الخاص بها، وتتنوع العقود بين مقيدة وعقود مفتوحة. بينما تضم كليات جامعة فيلادلفيا (42) أستاذا عراقيا، ويؤكد مدير دائرة شؤون أعضاء الهيئة التدريسية، منذر عبيد، أن "لا تفرقة بين الأجور والعلاوات بين الأساتذة، فالجنسية لا تحكم مستوى الراتب بقدر المرتبة الأكاديمية".    "تتفاوت أجور الأساتذة، وفق مرتبتهم الأكاديمية، الجامعات مستقلة مالياً وإدارياً ولها حق في تقدير الرواتب للأساتذة وفق مرتباتهم الأكاديمية"، يقول عفيشات.  يقول الاستاذ العراقي الغربي الذي قدم للأردن عام 2007، انه تم قبوله على أساس الكفاءة العلمية عام 2009 للعمل في جامعة خاصة، بعقد (1300) دينار، "هناك أساتذة يأخذون اكثر من هذا الأجر وبعضهم يأخذ أقل". "لا اشعر أن هناك تمييزا بين الدكاترة الاردنيين وغيرهم "فكلهم سواسية، حصلت على الإقامة من خلال الجامعة وهو أمر جيد أن الجامعة تقوم بهذه الترتيبات، أما بالنسبة للعمل وساعات التدريس فموزعة حسب الأهمية وحسب الاختصاص ولا أرى في ذلك أي نوع من التمييز بيننا"، يقول الغربي.  غياب العدالة  هاجر أستاذ القانون الدولي العام نعيم البغدادي من موطنه العراق العام 2008 قادما للأردن؛ يقول "إلى اليوم وأنا في نفس المكان والمنصب ولم أترقَ لسبب وآخر". يصف البغدادي أجره الشهري بالمتدني مقارنة مع زملاء له، "في الغالب لا تكاد تغطي أغلب الأمور، أعمل بأكثر من جامعة حتى أتمكن من إعالة أفراد أسرتي ما بين جامعاتهم ومدارسهم واحتياجاتهم اليومية، وهناك بعض الجامعات تشترط عدم العمل مع جامعة اخرى وهذا مكتوب من ضمن العقد، ويعتبر هذا إجحافا أو تحجيما للحقوق الشخصية، أو العملية". ويقول الاستاذ الجامعي ياسر المنصوري "ما تزال هناك بعض الصعوبات في التوظيف، واخرى في الترقية العلمية، وايضا في الأجر اسوة بغيرنا من الكفاءات المحلية والأجنبية، ومع ذلك فإن الاردن أفضل من غيره بالسماح لنا بالعمل وحرية العمل، والتنقل". الأستاذ خالد مجيد يشعر ببعض الغبن عند النظر لأجره، ومن خلال تقسيم ساعات العمل، "فهناك أساتذة محليون لا تتجاوز ساعات عملهم 3 ساعات، ويعطون المادة في 45 دقيقة، ومع ذلك يأخذون راتبا أكبر وترقيات وامتيازات اكبر"، ويضيف "نحن الذين نلتزم بكافة القوانين وساعات الدوام لم نلق هذا الاهتمام؛ وهذا حاصل ليس في الجامعات الاردنية وإنما في كل الجامعات العربية". الا ان الحقوقي والناشط طارق الصرفندي فيستبعد التمييز بين الاكاديمي العراقي والاردني، "وبمجرد عمل الأكاديمي العراقي في جامعة أردنية فحكما سوف ينطبق عليه قانون العمل وأنظمة وتعليمات الجامعة من حيث المسائل الأكاديمية: التدريس والترقية والبحث العلمي وغيرها".  يضيف: "هناك حقوق وواجبات يفرضها العقد وتفرضها القوانين بين أطراف العقد والكل يلتزم بها، وإذا كانت هناك مخالفة أو إجحاف فالمحاكم المختصة موجودة، ولم نسمع في أروقة المحاكم قضايا تخص هذا الجانب".  ورغم دعوات عديدة من الحكومة العراقية لاكاديميي العراق المهاجرين إلى الاردن وغيره للعودة الى وطنهم وجامعاته، الا ان استمرار تردي الاوضاع الامنية وغياب الاستقرار في العراق ما يزال يحول دون عودة المئات منهم الى هناك.