فارس الحباشنة -  لا أعرف كيف تتخلى الدولة عن الجامعة الاردنية ؟ «خصخصة التعليم « والانسحاب التدريجي على التعليم الجامعي الحكومي تتصل بارتباط وثيق بالعقلية التي تدير شؤون التعليم العالي، حيث يسيطر عليها مفاهيم ومبادىء وقيم الربح السريع والخسارة، ويرون في التعليم الحكومي» قطاعا غير منتج «، ويجري ضربه وسلخه ليكون مصدرا يدر المال بشتى الحيل والطرق والاساليب. والامر كما يبدو لا يقتصر على تفريخ الجامعات الخاصة التجارية، إنما اخضاع الجامعات الحكومية العريقة لنهج يتصل اتصالا وثيقا بعقل سياسي- اقتصادي مؤمن بان لا حل لازمة الجامعات الا بخصخصة خدمات التعليم العالي. هي تدرك أن الجامعات «شركات « وليس ثمة معنى واقعي مما يجري من مغامرات بالتعليم الجامعي. التعليم الجامعي في الاردن منذ بدايته ولد ليستهدف «ابناء العامة» من عسكر وحراثين، وبتصنيف اجتماعي مفاهيمي اخر ابناء الطبقة الوسطى والدخل المحدود» الفقراء والهامشيون «. ومن يراجع ادبيات تأسيس الجامعة الاردنية «أم الجامعات» يتيقن من المقاصد والاهداف والغايات الوطنية التي ولدت من أجلها الجامعة، بل انها انصبت بوصايا من الراحل الملك الحسين بن طلال -طيب الله ثراه- على أولوية مجانية التعليم واستهداف شرائح اجتماعية يراد النهوض بها بالعلم والمعرفة. ما يجري في الجامعة الاردنية اليوم يشغل البال كثيرا، والسؤال يتعلق بأزمة الحالة الجديدة التي تعاني منها الجامعات وتحول مفاهيم وأولويات التعليم الجامعي، وكيف تحول دور الجامعات من مساند وممر للانتقال الاجتماعي لتكون عبئا مضاعفا ينتج معايير ثقافية واجتماعية جديدة متخمة بالتمايز الطبقي. على هذا الاساس نفهم أن الجامعات ولدت لتكون حواضن للتعليم والمعرفة والابداع والحرية، وهذا ما تفتقده الجامعات منذ أعوام حيث ضاعت قيمة التعليم والمعرفة والبحث العلمي والتفكير لصالح تحويل الجامعات الى شركات همها الاول والاخير البحث عن «الربح المالي» لا غيره. فعندما ترفع ادارات الجامعات شعارا وحيدا لمعالجة ازماتها بـ « رفع الرسوم الجامعية «، فان هذا لا يعني أن العلم هو «سيد الجامعة «،ولكنه يعني ان الجامعات تدبر شؤونها كأنها «شركات « مفرغة من أي قيمة تعليمية وعلمية وبحثية ومعرفية. الجامعات تسير أبعد ما تكون عن حراسة عقل « الدولة والمجتمع «، باعتبار أنها سلم للانتقال الاجتماعي، ولكنها بعد أن تعطل دورها وامتلات بالازمات والاعباء اصبح الطالب عبئا على الجامعة والجامعة عبئا على الدولة، وتحول خريجو الجامعات الى قطعان يحملون شهادات جامعية. لم يعد ينظر لطلاب الجامعات الا بصناديق دفع رسوم ساعاتهم الدراسية، بعدما فقدت كل مزايا التعليم والمعرفة والبحث العلمي والحرية والمبادرة، حيث حوصرت الجامعات بخيارات شركاء جدد يطاردون جيوب اهالي الطلاب، ومن هنا ظهرت افكار واقتراحات تروج بأن حل أزمة الجامعات لا يتحقق الا برفع الرسوم الجامعية، وبمعنى أدق خصخصة التعليم الجامعي. اليوم ليست الجامعة الاردنية التي تحتضن ساحاتها اعتصاما طلابيا ما زال متفاعلا منذ نحو 12 يوما، من تقف على مفترق خطير، بل أن الازمة تمتد الى جامعات حكومية أخرى تتسرب الى عقل أداراتها العليا ذات الوصايا الجديدة في تسليع التعليم الجامعي وخصخصته -الدستور