خبر عاجل

ما إن أصدرت وزارة التربية والتعليم برنامجها التدريبي للمعلمين والمعلمات حتى تداعى معارضو مهرجان جرش والفن والبهجة إلى إصدار بيانات تحذير للمجتمع من خطر يهدد قيمنا وأخلاقنا، كما أصدرت أحزاب كبرى تحذيرات مماثلة، وامتلأ الفضاء الإلكتروني بتعليقات مماثلة استنكارًا، وانبرى كتاب للهجوم على الجندر والقضاء عليه حيّا! سأحاول في هذه المقالة أن أبين مشروع وزارة التربية والتعليم، والمعارضات التي واجهته، ليتمكن القارئ من فهم ما جرى استنادًا إلى أحكام موضوعية، طبعًا ليست محايدة. فكل إنسان من حقه أن ينحاز إلى ما يراه صحيحًا. (1) الجندر في الفكر المعارض الفكر المعارض هو الفكر التقليدي المحافظ المستند إلى مرجعية دينية وأخلاقية واجتماعية، فمن وجهة نظر هذا الفكر أن الجندر مخالف لديننا وشريعتنا وأخلاقنا. ففي بيان حزب وطني كبير، وردت النصوص الآتية:

  1. الرغبة في الحفاظ على الأردن منبعًا يستند إلى جذور ثقافية وخصوصية حضارية، وشريعة أرسلت العدالة بين الذكر والأنثى. وهذا لا يختلف عليه معظم الناس، فكلنا نريد أردننا نبعًا وله جذور، لكن ما الذي يمنع تنويع هذه الجذور، ففي ثقافتنا ملكات ومقاتلات وشاعرات وفاعلات إلى جانب فاسدين وفاشلين…إلخ. أما العدالة بين الذكر والأنثى التي أرستها الشريعة ففي الهدف الأساس لبرنامج النوع الاجتماعي، الذي يهدف إلى العدالة تمهيدًا للوصول إلى المساواة. وسأبين لاحقًا معنى العدالة والمساواة في برنامج وزارة التربية والتعليم، حيث أعلن هذا البرنامج أن يحترم الفروق البيولوجية، وبالتأكيد لا يسعى إلى تغييرها، بل ليس له علاقة بها.
  2. حذر ذلك الحزب من استيراد القيم، بل طالب بتوظيف القيم والمفاهيم لتراعي خصوصيتنا. وبرأيي هذا ما فعلته الدولة ووزارة التربية فالدولة الأردنية تحفظت على كل البنود المخالفة للشريعة، وإن برنامج الوزارة ملتزم جدًا بتحفظات الدولة بل لا يستطيع تجاوزها لو حاول أحد المتطرفين ذلك. فالمفاهيم إذن وطنية، ولا بأس من أن نفكر عالميا ونعمل محليا.
  3. لجأ عدد كبير من المعلمين إلى ذلك الحزب لحفزه على مقاومة برنامج وزارة التربية وهنا أوضح ما يأتي:
  • لماذا لجأ المعلمون إلى حزب واحد بينما لدينا عشرات الأحزاب؟
  • لم يبدأ برنامج الوزارة في التطبيق حتى الآن، فما الذي أزعج معلمينا؟
  1. يقول الحزب إن برنامج الجندرة سيؤثر على شكل الأسرة ومعناها وتركيبها. وبرأيي، إن برنامج الوزارة لا علاقة له بالشذوذ وأشكال الأسرة، لأنه يتعلق بتحسين حياة الأسرة الأردنية ورفع درجة إنصاف المرأة، وبناء شخصيتها المستقلة، وإذا وجد أحد أن برنامج الوزارة شجع الشذوذ، فإننا جميعًا سنقف ضد هذا الشذوذ. فوزارة التربية لن تشجع الشذوذ بسبب بسيط وهو أنها محكومة بفلسفة تربوية صديقة للأسرة الحالية.
  2. ويقول الحزب إن الدين يقول: وليس الذكر كالأنثى، وهذا صحيح. فهناك فروق بيولوجية – لا خلاف عليها– تعترف بها وزارة التربية وبرامجها، ولكن ما تهدف إليه الوزارة ليس إلغاء الفروق، بل معالجة ما علق بهذه الفروق من ثقافات تميز بين حقوق المرأة والرجل. فكما يقول الحزب إن الاختلاف ليس تفضيلًا للرجل – مع أنهم يفضلون– فإنني أقول: إن المساواة في الحقوق لا تلغي الفروق البيولوجية إطلاقًا. وفي مقالة نشرت في البوصلة بأن الجندر تم تصحيحه لتخريب الدين والأخلاق. وبرأيي أن معيار الدولة والمجتمع هو القانون وسيادة القانون، وفي ذهني لا وجود لقوانين أردنية تسعى لتخريب الدين والأخلاق. وبذلك يكون ما جاء في المقالة تحديا للقانون. كما تقول المقالة: إن الدول التي طرحت حقوق المرأة غير ناجحة في الحفاظ على حقوق المرأة، قد يكون هذا صحيحًا وقد لا يكون ولكن هناك ما يدل على أن المرأة قطعت شوطًا بعيدًا في الحصول على حقوقها في تلك الدول. كما أن المرأة الغربية نالت حقوقًا أكثر، مع اعترافي أن المجتمعات الغربية أو بعض الإعلام الغربي قد (سَلَّعَ) المرأة في بعض الإعلانات وهي قضايا محدودة جدًا إذا ما قيست بالحقوق المنجزة. وما تقوله المقالة عن تقبل الشواذ ومنحهم حقوقًا مدنية هو كلام غير واقعي، فسيداو ليس كلها موافق عليها أردنيا، وما فيها لا ينعكس على برامج الوزارة. (2) برنامج الوزارة تشير وثائق وزارة التربية إلى أن مشروع الجندر هو تجسيد لالتزام الحكومة بما وقعته من مواثيق دولية، إذن المشروع قانوني وليس خارجًا عن أي شيء: لا أخلاقًا ولا قيمًا، كما أنه تجسيد لالتزامات الأردن في تحقيق الهدمنة الرابع والخامس من أهداف التنمية المستدامة 2030، وهو أيضًا تجسيد لخطط الوزارة الاستراتيجية للتعليم 2018 – 2022 على ضوء ذلك ما الجديد الذي أثار الحملة على مشروع قانوني مخطط له منذ 2018؟ وقد يشارف على الانتهاء خلال شهور، علمًا بأن هناك قسمًا في الوزارة للنوع الاجتماعي منذ 2010 وبعيدًا عن الأساس القانوني، فقد أوضحت مقدمة مشروع الوزارة أن المساواة بين الجنسين تعليم مرتكز حول المتعلم والمتعلمة يأخذ في الحسبان الاحتياجات الخاصة للبنين والبنات. نتاجات مشروع الوزارة: تؤكد وثيقة الوزارة أن نتاجات المشروع هي التفريق بين موضوع الجنس كموضوع بيولوجي، وموضوع النوع الاجتماعي كموضوع ثقافي مجتمعي، والابتعاد عن السلوكات النمطية التي أوجدتها الثقافة، فبرنامج الوزارة يقدم أدوارًا للمرأة: إيجابية وإنتاجية ومجتمعية وسياسية ومحاربة العنف القائم على النوع الاجتماعي بأشكاله: التسلط والاجبار والعدوان اللفظي والعدوان الجسدي، والاحتقار والكراهية والهجر وتقليل المكانة، وهذه قيم إنسانية لا يجوز أن يتعرض لها أحد. ومرة أخرى: المساواة تعني تمتع الرجال والنساء بالوضع نفسه، وإتاحة الفرص للجميع لممارسة حقوقهم الإنسانية وتحقيق إمكاناتهم للمساهمة في الحياة بأنشطتها كافة. وتعرف العدالة بأنها مراعاة للفروق وعدم جعلها أساسًا في إعاقة المرأة، واتخاذ الإجراءات التي من شأنها تحقيق ظروف إنسانية متشابهة وخاصة في الحقوق. إن إدماج النوع الاجتماعي في المناهج – وبالمناسبة لا علاقة لي بمشروع وزارة التربية – أعتبره ضرورة أخلاقية وإنسانية. فلا مصلحة للمرأة أو المجتمع أن تكون المرأة منقوصة الحقوق. وختامًا إن الحملة على النوع الاجتماعي ليست حملة قانونية بل حملة تقودها فئات معروفة بقضايا عديدة ليس أقلها مهرجانات الفن، فليس في مشروع الوزارة ما يخالف قانونًا، ومن وجهة كثيرين ليس فيه ما يخالف ثقافيّا. فالمجتمعات العربية: خلقًا ودينًا، تناصر كرامة المرأة.